ب مم وب بيسي

مم /ثالثة 3 ثانوي مدونة محدودة /كل الرياضيات تفاضل وتكامل وحساب مثلثات2ثانوي ترم أول وأحيانا ثاني /التجويد /من كتب التراث الروائع /فيزياء ثاني2 ثانوي.ت2. /كتاب الرحيق المختوم /مدونة تعليمية محدودة رائعة /صفائي /الكشكول الابيض/ثاني ثانوي لغة عربية ترم اول يليه ترم ثاني ومعه 3ث /الحاسب الآلي)2ث /مدونة الأميرة الصغيرة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مدونة السنن الكبري للنسائي والنهاية لابن كثير /نهاية العالم /بيت المعرفة العامة /رياضيات بحتة وتطبيقية2 ثانوي ترم ثاني /احياء ثاني ثانوي ترم أول /عبدالواحد2ث.ت1و... /مدونة سورة التوبة /مدونة الجامعة المانعة لأحكام الطلاق حسب سورة الطلاق7/5هـ /الثالث الثانوي القسم الأدبي والعلمي /المكتبة التعليمية 3 ثانوي /كشكول /نهاية البداية /مدونة كل روابط المنعطف التعليمي للمرحلة الثانوية /الديوان الشامل لأحكام الطلاق /الاستقامة اا. /المدونة التعليمية المساعدة /اللهم أبي وأمي ومن مات من أهلي /الطلاق المختلف عليه /الجغرافيا والجيولوجيا ثانية ثانوي /الهندسة بأفرعها /لغة انجليزية2ث.ت1. /مناهج غابت عن الأنظار. /ترم ثاني الثاني الثانوي علمي ورياضة وادبي /المنهج في الطلاق /عبد الواحد2ث- ت1. /حورية /المصحف ورد ج /روابط المواقع التعليمية ثانوي غام /منعطف التفوق التعليمي لكل مراحل الثانوي العام /لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ /فيزياء 2 ثاني ثانوي.ت1. /سنن النكاح والزواج /النخبة في مقررات2ث,ترم أول عام2017-2018 /مدونة المدونات /فلسفة.منطق.علم نفس.اجتماع 2ث ترم اول /الملخص المفيد ثاني ثانوي ترم أول /السيرة النبوية /اعجاز الخالق /فيمن خلق /ترجمة المقالات /الحائرون الملتاعون هلموا /النُخْبَةُ في شِرعَةِ الطلاق. /أصول الفقه الاسلامي وضوابطه /الأم)منهج ثاني ثانوي علمي رياضة وعلوم /وصف الجنة والحور العين اللهم أدخلنا الجنة ومتاعها /روابط مناهج تعليمية ثاني ثانوي كل الأقسام /البداية والنهاية للحافظ بن كثبر /روابط مواقع تعليمية بالمذكرات /دين الله الحق /مدونة الإختصارات / /الفيزياء الثالث الثانوي روابط /علم المناعة والحساسية /طرزان /مدونة المدونات /الأمراض الخطرة والوقاية منها /الخلاصة الحثيثة في الفيزياء /تفوق وانطلق للعلا /الترم الثاني ثاني ثانوي كل مواد 2ث /الاستقامة أول /تكوير الشمس /كيمياء2 ثاني ثانوي ت1. /مدونة أسماء صلاح التعليمية 3ث /مكتبة روابط ثاني ثانوي.ت1. /ثاني ثانوي لغة عربية /ميكانيكا واستاتيكا 2ث ترم اول /اللغة الفرنسية 2ثانوي /مدونة مصنفات الموسوعة الشاملة فهرسة /التاريخ 2ث /مراجعات ليلة الامتحان كل مقررات 2ث الترم الثاني /كتاب الزكاة /بستان العارفين /كتب 2 ثاني ثانوي ترم1و2 . /ترم اول وثاني الماني2ث  ///بيسو /مدونات أمي رضي الله عنكي /نهاية العالم /مدونة تحريز نصوص الشريعة الإسلامية ومنع اللعب باالتأويل والمجاز فيها /ابن حزم الأندلسي /تعليمية /أشراط الساعة /أولا/ الفقه الخالص /التعقيبات /المدونة الطبية /خلاصة الفقه /معايير الآخرة ويوم الحساب /بر الوالين /السوالب وتداعياتها

Translate ترجم باللغة التي تريدها بيسي

الأربعاء، 21 ديسمبر 2022

معيار الوزن {وزن الأعمال} +كتاب الوجيز في توحيد الأسماء الحسنى لأكرم غانم إسماعيل تكاي

معيار الوزن {وزن الأعمال}

  تقدر الأعمال يوم القيامة بالأوزان وميزان القيامة يسجل قراءته من أقل من مثقال الذرة فما فوقها بوزن الجبال وما لا ندرك معياره نحن في الدنيا والله سبحانه يقول [[ فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ]]

الآيات التي ورد فيها "مثقال ذرة"

    إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ ۖ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ﴿٤٠ النساء﴾


    وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ ۚ وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴿٦١ يونس﴾


    وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ ۖ قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ ۖ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ﴿٣ سبإ﴾


    قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ ۖ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ ﴿٢٢ سبإ﴾

    فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿٧ الزلزلة﴾

    وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿٨ الزلزلة﴾

 

 

كتاب  الوجيز في توحيد الأسماء الحسنى لأكرم غانم إسماعيل تكاي الإصدار الأول-الموصل -  العراق

جمادي الاخرة – 1434ھ

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

 

وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ /الأعراف /180 .

( إن الأدب مع الله تبارك وتعالى هو القيام بدينه والتأدب بآدابه ظاهرًا وباطنًا.

ولا يستقيم لأحد قط الأدب مع الله إلا بثلاثة أشياء :

معرفته بأسمائه وصفاته ،

ومعرفته بدينه وشرعه وما يحب وما يكره ،

ونفس مستعدة قابلة لينة متهيئة لقبول الحق علمًا وعملاً وحالاً ،

والله المستعان . ) .

 

الشيخ ابن القيم الجوزية

مدارج السالكين 2/403

 

( وكل ما توهمه قلبك أو سنح في مجاري فكرك أو خطر في بالك من حسن أو بهاء أو شرف أو ضياء أو جمال أو شبح مماثل أو شخص متمثل ، فالله تعالى بخلاف ذلك ، واقرأ ( ليس كمثله شيء ) ، ألا ترى أنه لما تجلى للجبل تدكدك لعظيم هيبَتِهِ ، فكما أنه لا يتجلى لشيء إلا اندك كذلك لا يتوهمه قلب إلا هلك ، وارض لله بما رضيه لنفسه وقف عند خبره لنفسه مسلما" مستسلما" مصدقا"

مرعي بن يوسف الكرمي المقدسي

أقاويل الثقات في تأويل الأسماء والصفات

والآيات المحكمات والمشتبهات

 

( لو أننا نؤمن بما تقتضيه أسماء الله وصفاته لوجدت الاستقامة كاملة فينا ، فالله المستعان . ) .

الشيخمحمد بن صالح العثيمين

شرح العقيدة الواسطية

 

( وثبت أن حصر الأسماء التسعة والتسعين لا ينال إلا بتوفيق الله تعالى ، كساعة الإجابة يوم الجمعة لأنها مجملة في أسماء الله . ) .

ابن الوزير

إيثار الحق على الخلق

 

ولا شك أن الإنحراف الخطير الذي يعيشه العالم الإسلامي اليوم  - في العقيدة وغيرها - ناشئ من التخبط في دراسة العقيدة الإسلامية ، والعدول عن مصادرها الأصلية ، ومن التخبط في المنهج الذي تدرس به هذه العقيدة.

الدكتور عبد الرحمن المحمود

القضاء والقدر

بسم الله الرحمن الرحيم

مقدمة الإصدار الأول

إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)(آل  عمران/102)                                                                                     ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء/1)

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ۞ يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب /70و71) .[1][1]

أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .

 

وبعد :

اعلم - وفقني الله وإياك - أن الله تعالى أمر المؤمنين بالأيمان به في غير موضع في كتابه المجيد ، فقال عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا آَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ) (النساء /136).

وأهم ما يتضمنه الأيمان بالله تعالى –  الذي هو أول ركن من أركان الأيمان –  التعرف عليه سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته معرفة تثمر الخشية والعمل بآثارها .

قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد :-

( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (الأعراف / 180).

( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا ) (الإسراء /110).

( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ) (طه / 8).

( هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (الحشر /24).

 

والكتاب الذي بين يديك بحث مختصر في توحيد الأسماء لله سبحانه وتعالى ، تجد فيه عرضٌ لأهم مسائل توحيد الاسماء على منهج أهل السنة والجماعة ، وقد حوى جملة من الأدلة من الكتاب والسنة في تتبع أسماء الله الحسنى . وهو مختصر للاصدار الثاني من كتاب (الاسماء الحسنى في الكتاب والسنة) ، اعددته بناء على طلب من احد الاخلاء المهتمين بدراسة العقيدة على منهج أهل السنة والجماعة ، وكان طلبه بأن يختصر الكتاب ليكون مقتصرا على توحيد الاسماء الحسنى من دون ذكر لأقوال الطوائف الاسلامية ، وطرق ونماذج التتبع لاحصاء الاسماء الحسنى ، والاكتفاء بذكر ضوابط التتبع للاسماء الحسنىوالاسم ودليله باختصار ، فلبيت الطلب لما فيه من الفائدة الطيبة .

أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينفع بهذا المختصر ويجعله خالصا لوجهه الكريم ويبارك في جهود العاملين للإسلام ويرزق الجميع حسن القصد وإتباع الحق .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وإخوانه [2][2] أجمعين.

 

 

 

 

وكتب ذلكم

المهندس

أكرم غانم إسماعيل تكاي

الموصل / جمادي الاخرة1434ھ

e-mail : agtd61@yahoo.com

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


 

 

الفصل الأول

موقف اهل السنة والجماعة من أسماء الله الحسنى

 

المقصود بأهل السنة والجماعة الصحابة ، والتابعون ، وتابعوهم ، ومن سلك سبيلهم ، وسار على نهجهم ، من أئمة الهدى ، ومن اقتدى بهم من سائر الأمة أجمعين .

فيخرج بهذا المعنى كل طوائف المبتدعة وأهل الأهواء . فالسنة هنا في مقابل البدعة ، والجماعة هنا في مقابل الفرقة .

ولأهل السنة عدة مسميات منها : أهل الحديث ، الفرقة الناجية ، الجماعة ، الطائفة المنصورة وغير ذلك .

أما ( منهج أهل السُّنَّةِ والجماعة ؛ من السلف الصالح وأتباعهم : إثباتُ أسماءِ الله وصفاته ، كما وردت في الكتاب والسنة، وينبني منهجهم على القواعد التالية :

1- أنهم يُثبتون أسماء الله وصفاته ؛ كما وردت في الكتاب والسنة على ظاهرها ، وما تدل عليه ألفاظها من المعاني ، ولا يؤولونها عن ظاهرها ، ولا يُحرفون ألفاظها ودلالتها عن مواضعها .

2- يَنفونَ عنها مشابهة صفات المخلوقين ، كما قال تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) (الشورى/11) .

3- لا يتجاوزون ما ورد في الكتاب والسنة ؛ في إثبات أسماء الله وصفاته ، فما أثبته الله ورسوله من ذلك أثبتوه، وما نفاهُ الله ورسولُه نفوه ، وما سَكتَ عنه الله ورسوله سكَتُوا عنه .

4- يعتقدون أنَّ نصوصَ الأسماءِ والصفات من المحكم الذي يُفهم معناه ويُفسَّر، وليست من المتشابه ؛ فلا يُفَوِّضون معناها ، كما يَنسبُ ذلك إليهم مَن كَذَبَ عليهم ، أو لم يعرف منهجهم .

5- يُفوّضونَ كيفية الصفات إلى الله تعالى ، ولا يبحثون عنها .) [3][3]

6- و ( حاصل كلام أئمة السنة في تعريف أسماء الله تعالى الحسنى أنها : كلمات شرعية تدل على ذات الله تعالى تتضمن إثبات صفات الكمال المطلق له جل وعلا ، وتنزيهه سبحانه عن كل عيب ونقص ).[4][4]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الثاني

 

الاسم والمسمى

 

الاسموالمسمى [5][5]مسألة ترد في كتب العقائد ، وهي من المسائل الحادثة التي وقع حولها خلاف كبير ، وجدل كثير . ولم تعرف هذه المسألة إلا بعد انقضاء عصر الصحابة والتابعين حيث استحدث هذا المصطلح ، وأنكر الأئمة على الجهمية قولهم : ( الاسم غير المسمى ) فأصبحت هذه المسألة تعرف ﺑ ( الاسم والمسمى ) ، وأساس الخلاف هو : هل أن أسماء الله تعالى مخلوقة ؟ أم غير مخلوقة ؟ ، ومنشأ هذا الخلاف هو : هل أن كلام الله مخلوق؟ أم غير مخلوق؟.

والراجح عند أهل السنة أن يقال : إن الاسم للمسمى ؛ لورود الأدلة بذلك قال الله تبارك وتعالى : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } [ الأعراف : 180 ] ، ولا يقال الاسم هو المسمى أو غير المسمى إلا ببيان المعنى الحق إذ إنها تحتمل حقا وباطلا .

فهذه ثلاث صور للمسألة :

الأولى : الاسم غير المسمى .

والثانية : الاسم هو المسمى .

والثالثة : الاسم للمسمى .

فأما الصورتان الأوليان فتحتملان حقا وباطلا ، فقول القائل إن الاسم غير المسمى إن أراد أن لفظ الاسم غير الذات وأنه مخلوق ، فهذا معنى باطل لأن أسماء الله تعالى من كلامه وكلامه غير مخلوق فأسماء الله غير مخلوقة .

وإن أراد القائل أن أسماء الله غير ذات الله ، فهذا كلام صحيح عقلا ولغة ، لأن لفظ زيد مثلا غير زيد الآكل الشارب .

وأما الصورة الثانية : أن الاسم عين المسمى ، فأيضا تحتمل حقا وباطلا ، فمن قال إن الاسم عين المسمى وأراد بالاسم الذات وأراد أن ألفاظ أسماء الله مخلوقة ، فهذا معنى باطل كما سبق .

وإن أراد أن الاسم عين المسمى بمعنى الاسم لا ينفك عن المسمى ولم يقل بخلق أسماء الله ، فهو كلام حق .

وأما الصورة الثالثة : وهي أن الاسم للمسمى فهو كلام واضح لا تلبيس فيه ولا تدليس وليس من الكلمات المحدثة بل الكتاب والسنة يدلان عليه ، فقد قال الله تبارك وتعالى : { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى } . فالحاصل أن قول القائل إن الاسم عين المسمى أو غير المسمى إن صدر عن إمام من أئمة السنة فيُحمل على المعنى الحق ، وإن جرى على لسان إمام من أئمة أهل الكلام فيحمل على المعنى الباطل .[6][6]

 

 

 

 

 

الفصل الثالث

طرق حديث

( لله تسعة وتسعين اسماً )

 

قال السيوطي في ( الدر المنثور في التأويل بالمأثور) تفسير الآية (180) من سورة الأعراف :

( أخرج البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن خزيمة وأبو عوانة وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني وأبو عبد الله بن منده في التوحيد وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة إنه وتر يحب الوتر ) .

وأخرج أبو نعيم وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لله مائة اسم غير اسم من دعا بها استجاب الله له دعاءه ) .

وأخرج الدار قطني في الغرائب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه   وسلم ( قال : قال الله عز وجل : لي تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة )

وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم عن ابن عباس وابن عمر قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة )

وأخرج الترمذي وابن المنذر وابن حبان وابن منده والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة إنه وتر يحب الوتر هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدئ المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الأحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن البر التواب المنتقم العفو الرؤوف المالك الملك ذو الجلال والإكرام الوالي المتعال المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور )

وأخرج ابن أبي الدنيا في الدعاء والطبراني كلاهما وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ( إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة اسأل الله الرحمن الرحيم الإله الرب الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور الحليم العليم السميع البصير الحي القيوم الواسع اللطيف الخبير الحنان المنان البديع الغفور الودود الشكور المجيد المبدئ المعيد النور البادئ وفي لفظ : القائم الأول الآخر الظاهر الباطن العفو الغفار الوهاب الفرد وفي لفظ : القادر الأحد الصمد الوكيل الكافي الباقي المغيث الدائم المتعالي ذا الجلال والإكرام المولى النصير الحق المبين الوارث المنير الباعث القدير وفي لفظ : المجيب المحيي المميت الحميد وفي لفظ : الجميل الصادق الحفيظ المحيط الكبير القريب الرقيب الفتاح التواب القديم الوتر الفاطر الرزاق العلام العلي العظيم الغني المليك المقتدر الأكرم الرؤوف المدبر المالك القاهر الهادي الشاكر الكريم الرفيع الشهيد الواحد ذا الطول ذا المعارج ذا الفضل الكفيل الجليل )

 

 

 

 

وأخرج أبو نعيم عن ابن عباس وابن عمر قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن لله تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة وهي في القرآن )[7][7] ) . إھ [8][8]

قال شيخ الإسلام ابن تيمية :(تعيينها ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم باتفاق أهل المعرفة بحديثه) إھ.[9][9]

وقال الشيخ مشهور بن حسن آل سلمان في فتاويه :

حديث ( إن لله تسعة وتسعين اسماً ):

(هذا الحديث وارد عن جمع من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يثبت إلا من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ، وأخرج ذلك الشيخان إماما الدنيا محمد بن إسماعيل البخاري ومسلم بن الحجاج النيسابوري ، وقد ورد أيضاً عن علي وسلمان وابن عباس وابن عمر رضي الله عن الجميع، أخرج ذلك أبو نعيم في جزئه الخاص في (التسع والتسعين اسم من أسماء الله تعالى) ولكن أسانيد ذلك ضعيفة ، فهذا حديث ثابت في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ولم يثبت إلا عنه ، وقد ادعى ابن عطية الأندلسي في تفسيره ( المحرر الوجيز ) : أنه قد تواتر عن أبي هريرة رضي الله عنه ، وليس الأمر كذلك عند التحقيق ، فقد رواه ثلاثة عشر نفساً عن أبي هريرة ست أو سبع منها ضعيفة والباقي آحاد غريبة ، فالحديث ثابت صحيح وليس بمتواتر ، وأما سرد الأسماء فقد وقع عند الترمذي وفيه إدراج ، ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم).إھ . [10][10]

قلت : وخلاصة القول أن حديث ( لله تسعة وتسعون اسماً ) صحيح دون سرد الأسماء وأن سردها فيهمدرج .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الفصل الرابع

الأسماء الحسنى من الكتاب والسنة

على منهج أهل السنة والجماعة

تمهيد

 

قواعد وأصول في منهج التلقي والاستدلال لأهل السنة والجماعة :

1) مصدر العقيدة : هو كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الصحيحة ، وإجماع السلف الصالح [11][11].

2) كل ما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم : وجب قبوله والعمل به ، وإن كان آحاداً في العقائد وغيرها .

3) المرجع في فهم الكتاب والسنة : هو النصوص المبينة لها ، وفهم السلف الصالح ، ومن سار على منهجهم من الأئمة ، ولا يعارض ما ثبت من ذلك بمجرد احتمالات لغوية .

4) أصول الدين كله : قد بينها النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس لأحد أن يحدث شيئاً زاعماً أنه من الدين .

5) التسليم لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم : ظاهراً ، وباطناً ، فلا يعارض شيء من الكتاب أو السنة الصحيحة بقياس ، ولا ذوق ، ولا كشف ولا قول شيخ ، ولا إمام ، ونحو ذلك.

6) العقل الصريح: موافق للنقل الصحيح ، ولا يتعارض قطعيان منهما أبداً ، وعند توهم التعارض يقدم النقل .

7) يجب الالتزام بالألفاظ الشرعية : في العقيدة ، وتجنب الألفاظ البدعية التي أحدثها الناس.

والألفاظ المجملة المحتملة للخطأ والصواب يستفسر عن معناها ، فما كان حقاً أثبت بلفظه الشرعي ، وما كان باطلاً رد .

8) العصمة ثابتة للرسول صلى الله عليه وسلم : والأمة في مجموعها معصومة من الاجتماع على ضلالة ، وآما آحادها فلا عصمة لأحد منهم ، وما اختلف فيه الأئمة وغيرهم فمرجعه إلى الكتاب والسنة فما قام عليه الدليل قبل ، مع الاعتذار للمخطئ من مجتهدي الأمة .

9) في الأمة محدثون ملهمون : كعمر بن الخطاب ، والرؤيا الصالحة حق ، وهي جزء من النبوة ، والفراسة الصادقة حق ، وفيها كرامات ومبشرات ، بشرط موافقتها للشرع ، وليست مصدراً للعقيدة ولا للتشريع .

10) المراء في الدين مذموم : والمجادلة بالحسنى مشروعة وما صح النهي عن الخوض فيه وجب امتثال ذلك، ويجب الإمساك عن الخوض فيما لا علم للمسلم به ، وتفويض علم ذلك إلى عالمه سبحانه.

11) يجب الالتزام بمنهج الوحي في الرد : كما يجب في الاعتقاد والتقرير ، فلا ترد البدعة ببدعة ، ولا يقابل التفريط بالغلو ولا العكس .

12) كل محدثة في الدين بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار .إﻫ [12][12]

 

المبحث الأول : التوحيد .

 

تعريف التوحيد

 

تعريف التوحيد في اللغة .

 

كلمة التوحيد : مصدر من كلمة ( وحد ) وأصلها ( وحد يوحد توحيداً ) فالتوحيد في اللغة : هو جعل الشيء واحداً كأنه شيء متفرق ثم بعد ذلك اجتمع ، ولذلك قيل : هذه القبيلة كلمتها واحدة، وقولها واحد ، كأن آراءهم متعددة ولكنها اجتمعت إلى رأي واحد ، ويدل على أنه جعل الشيء واحداً يأخذ مفهوم القوة والتماسك، ويدلنا على ذلك أن هذا اللفظ من النسبة لا من الجمع ، فإنه ليس مقصوداً بهذا الكلام ، وليس الإنسان هو الذي يجعل الله واحداً ، فالله واحد قبل أن يخلق السماوات والأرض سبحانه وتعالى بل إننا من قوم ينسبون الوحدانية لله تعالى . [13][13]

 

تعريف التوحيد في الاصطلاح .

 

- من العلماء من عرفه فقال : هو إفراد الله بالعبادة .

- ومنهم من قال : هو إفراد الله بأفعال العباد .

- ومنهم من عرفه فقال : هو إفراد الله تعالى في ألوهيته وربوبيته وفي أسمائه وصفاته .

والتعريف الثالث هو الأولى ؛ لأنه يجمع أقسام التوحيد الثلاثة ، بخلاف التعريفين الأولين، فإنهما لا يتعلقان إلا بتعريف توحيد الألوهية . [14][14]

(والتوحيد هو فقه الإيمان وقد سماه السلف (التوحيد) لقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه: ( إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى [15][15] ).[16][16]

فالتوحيد أول واجب في العلم والعمل والدعوة ، وأول أركان الإيمان بالله وأعظمها، بل بقية الأركان تبع له وفرع منه ، وأهم ما خُلق له الخلق ، وأرسلت به الرسل وأنزلت به الكتب وأساس كل خير ومصدر كل هداية وسبب كل فلاح ، قال تعالى : ( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ )(النحل /36).

 

أقسام التوحيد :

 

ينقسم  التوحيد عند أهل العلم إلى أقسام ، وهذا التقسيم تقسيم اصطلاحي ، فيمكن أن تقسم التوحيد إلى أقسام غير ما سنذكره ، لكن أكثر من كتب في التوحيد قسم التوحيد إمَّا إلى قسمين أو إلى ثلاثة أقسام ، فابن تيميه وابن القيم و شارح الطحاوية ابن أبي العز الحنفي قسموا التوحيد إلى قسمين :

1 /  توحيد المعرفة و الإثبات ، ويقصدون به توحيد الربوبية و توحيد الأسماء والصفات.

2 /  توحيد القصد والطلب ، و يقصدون به توحيد الألوهية ( الإلهية ) .

 

 

وأكثر المتأخرين يقسمون التوحيد إلى ثلاثة أقسام :

1- توحيد الربوبية : وهي إفراد الله تعالى بأفعاله كالخلق والرزق.

2- توحيد الألوهية : وهو إفراد الله عز وجل بالعبادة وصرفها عمن سواه.

3- توحيد الأسماء والصفات : وهو إفراد الله عز وجل  بأسمائه الحسنى وصفاته العلى الواردة في الكتاب والسنة ، وإثباتها لله تعالى على وجه الحقيقة من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل .

وقد أضاف بعض المتأخرين نوعًا رابعًا من التوحيد سموه توحيد الاتباع أو توحيد الحاكمية ، وفي الحقيقة ليس ذلك قسمًا رابعًا لأنه يدخل ضمن توحيد الألوهية إذ أن العبادة لا تُقبل إلا بشرطي الإخلاص والمتابعة ، وتوحيد الحاكمية هو توحيد المتابعة للكتاب والسنة فليس قسمًا مستقلًا .

قال الشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان : ( فأقسام التوحيد هي هذه الثلاثة ، وليس هناك قسم رابع ، كما يقول بعض الناس : توحيد الحاكمية ، وبعضهم يأتي بقسم خامس ويقول : توحيد المتابعة ، فتكون أقسام التوحيد خمسة : توحيد الأسماء والصفات ، وتوحيد الربوبية ، وتوحيد العبادة ، وتوحيد الحاكمية ، وتوحيد المتابعة ، فهذا  لا معنى له ؛ لأن توحيد المتابعة داخل في توحيد الإلهية ، وتوحيد الحاكمية داخل في توحيد الربوبية ، لأن الرب جل وعلا هو الذي يحكم بين خلقه ، وهو الذي يشرع ويأمر وينهى عباده ، فإذا انصرف الإنسان إلى شارع آخر ومحكم آخر فإنه أشرك في توحيد الربوبية ، والشرك في توحيد الربوبية يستلزم الشرك في توحيد الإلهية.) إﻫ  [17][17]

وذكر أهل العلم - رحمهم الله تعالى - أن هذا التقسيم جاء من استقراء نصوص الكتاب والسنة .

قال الشيخ العلامة بكر بن عبد الله أَبو زيد : ( هذا التقسيم الاستقرائي لدى متقدمي علماء السلف : أشار إليه ابن منده , وابن جرير الطبري , وغيرهما , وقرره شيخا الإِسلام ابن تيمية وابن القيم , وقرره الزبيدي في (تاج العروس) وشيخنا الشنقيطي في ( أضواء البيان ) وآخرين رحم الله الجميع. وهو استقراء تام لنصوص الشرع , وهو مطرد لدى أهل كل فن كما في استقراء النحاة  كلام العرب إلى (اسم , وفعل , وحرف)والعرب لم تَفُهْ بهذا ولم يعتب على النحاة في ذلك عاتب.) إھ .[18][18]

وقال الشيخ عمر بن سعود بن فهد العيد : ( إن تقسيمات التوحيد وتسمياته اجتهادية ، ولكن أصلها توقيفي ، والمسميات والتقسيمات اجتهادية ، والعلماء رحمهم الله تعالى عندهم قاعدة يقولون : ( لا مشاحة في الاصطلاح بعد فهم المعنى ) قسِّم التوحيد كيف شئت ، ولكن لا تخرج على ما دل عليه الكتاب والسنة ) . إھ  [19][19]

ومن الآيات التي جمعت أقسام التوحيد الثلاثة قول الله تبارك وتعالى: {رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} (سورةمريم / 65).

وقال ابن القيم : ( فالقرآن كلُّه في التوحيد وحقوقه وجزائه ، وفي شأن الشرك وأهله وجزائهم ، ف {الْحَمْدُ للهِ} توحيد ، { رَبِّ الْعَالَمِينَ } توحيد ،{ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ }  توحيد ،{ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } توحيد ،{ إِيَّاكَ نَعْبُدُ } توحيد، { وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } توحيد ، { اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } توحيد متضمن لسؤال الهداية إلى طريق أهل التوحيد ، الذين أنعم الله عليهم،{ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّين } الذين فارقوا التوحيد) إھ [20][20]

 

 

العلاقة بين أقسام التوحيد :

 

أوضح أهل العلم ( أنَّ العلاقة بين أقسام التوحيد هي علاقة  تلازم وتضمن وشمول .

1- فتوحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية فمَنْ أقرَّ بربوبية الله في خلقه وملكه وتدبيره لزمه أن يُفرده بأعماله التعبدية وهو توحيد الألوهية إذ كيف يؤمن برب ويعبد غيره ؟ .

2- وتوحيد الألوهية ويتضمن توحيد الربوبية فمن عبد الله وحده أفرده عمن سواه فلابد أنه أقرَّ بأنه الرب المتفرد بالخلق والملك والتدبير .

3- وتوحيد الأسماء والصفات يشملهما جميعًا إذ أنه يفرد الله عز وجل بِما لهُ مِن أسماء وصفات تقتضي الربوبية ، وأسماء وصفات تقتضي الألوهية ). [21][21]

وقد سئل فضيلة الشيخ أبو عبد المعزِّ محمَّد علي بن بوزيد بن علي فركوس القُبِّي ، عن العلاقة التلازمية بين أنواع التوحيد:

الفتوى رقم: 906/ الصنففتاوى العقيدة والتوحيد / في العلاقة التلازمية بين أنواع التوحيد.

السـؤال:هل من تفصيلٍ في العلاقة بين توحيدِ الربوبية وتوحيدِ الألوهية وكذا توحيد الأسماء والصفات؟

الجـواب:الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على مَنْ أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصَحْبِهِ وإخوانِه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:

فاعلم أنَّه لا يكمل لأحد توحيدُه إلاَّ باجتماعِ أنواعِ التوحيدِ الثلاثةِ وهي: توحيدُ الربوبيةِ، والأسماءِ والصفاتِ، والألوهيةِ، فلا ينفعُ توحيدُ الربوبيةِ بدونِ توحيدِ الألوهيةِ، ولا يقومُ توحيدُ الألوهيةِ بدونِ توحيدِ الربوبيةِ، ولاَ يَسْتَقيمُ تَوحيدُ الله في رُبُوبيتِهِ وأُلُوهِيَتِهِ بِدُونِ توحيدِه في أسمائِه وصفاتِه[22][22]، فهذِه الثلاثةُ متلازِمَةٌ يُكَمِّلُ بعضُهَا بعضًا، ولا يَسَعُ الاستِغْناءُ بِبعضِها عن البعْضِ الآخرِ، فالعلاقَةُ الرابطةُ بينَ هذِه الأقسامِ هي علاقةُ تلازُمٍ وتضمُّنٍ وشُمُولٍ.

وتوحيدُ الربوبيةِ يستلْزِمُ توحيدَ الألوهيةِ، ومَعْنى ذلكَ أنَّ تَوحيدَ الألوهيةِ خَارجٌ عَن مَدلُولِ توحيدِ الربوبيةِ، فلا يتحَقَّقُ توحيدُ الربوبيةِ إلاَّ بتوحيدِ الألوهيةِ، أي: أنَّ تَوحيدَ الربُوبيةِ لا يُدْخِل مَنْ آمن بِه في الإسْلاَمِ، بِخلافِ تَوْحِيدِ الألُوهِيةِ فَإنَّه يَتَضمَّنُ تَوْحيدَ الربوبيةِ[23][23]، أي: أنَّ توحيدَ الربوبيةِ جزْءٌ مِن معنى توحيدِ الألُوهيةِ فالإيمانُ بتوحيدِ الألُوهيةِ يُدْخِلُ في الإسلامِ.

فيتقَرَّرُ عِنْدئذٍ أنَّ توْحيدَ الربُوبيةِ عِلْمِيٌّ اعْتِقَادِيٌّ، وتَوحِيدُ الألُوهيةِ عَمَلِيٌّ طَلَبِيٌّ، والعمليُّ متضَمِّنٌ للعِلْمِيِّ؛ ذلك لأنَّ متعلّقاتِ الربوبيةِ الأمورُ الكونيةُ، كالخلقِ والرِّزقِ، والتدبيرِ والإحياءِ، والإمَاتَةِ وغيرِ ذلكِ، بينَمَا مُتعلّقَاتُ تَوحِيدِ الألُوهِيةِ الأوامِرُ والنواهِي، فإذَا عَلِم العَبْدُ أنَّ الله ربُّهُ لا شَرِيكَ لَه في خَلْقِه وأسمائِه وصفاتِه ترتَّبَ عنه أن يعمَلَ عَلى طاعتِه وامتثالِ أوامرِه واجتنابِ نواهِيهِ، أي: يعْمَلُ عَلَى عبادتِه[24][24]، ومنهُ يُفْهَم أنَّ عبادَةَ اللهِ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ هِي نتيجةٌ لاعترافٍ أَوَّليٍّ بأنَّه لا ربَّ غيرُ الله يُشْرِكهُ في خلْقِهِ وأَمْرِه، أي: تَعلّقُ القَلْبِ ابتداءً بتوحيدِ الربوبيةِ ثمَّ يَرتَقِي بعدهَا إلى توحيدِ الألوهيةِ، ولهذا قال ابنُ القيِّم: « والإلهية التي دعت الرسل أُممَهم إلى توحيد الربِّ بها هي العبادة والتأليه، ومن لوازمها توحيد الربوبية الذي أقرّ به المشركون فاحتجَّ الله عليهم به، فإنَّه يلزم من الإقرار به الإقرار بتوحيد الإلهية»[25][25]، ومعنى كلامِ ابن القيِّمِ أنَّ الله تعالى احتَجَّ على المشْرِكينَ بتوحِيدِ الربوبيةِ عَلى توحيدِ الألوهيةِ والعبادةِ ولا العكسُ، ومنْهُ يُفْهمُ –أيضًا- أنَّ توحيدَ الربوبيةِ والأسماءِ والصفاتِ وحدهُ لا يكفِي لإدْخَالِ صاحبِه في الإسلامِ ولا يُنْقِذُه من النَّارِ، ولا يَعْصِمُ مالَه ودَمَهُ إلاَّ بتوحِيدِ الألوهيةِ والعبادةِ.

أمَّا توحيدُ الأسماءِ والصفاتِ فهو شَاملٌ للنوعينِ معًا (توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية)؛ وذلك لأنَّه يقومُ على إفرادِ الله تعالى بكلِّ مَا لَهُ منَ الأسماءِ الحسْنَى والصِّفاتِ العُلَى التي لاتُبْتَغَى إلاَّ لهُ سبحانَه، والتي من جُمْلتِها: الربُّ، الخالقُ، الرَّازِقُ، الملِكُ وهذا هو توحيدُ الربوبيةِ، وكذلِك من جُمْلتِها: الله، الغفُورُ، الرَّحيمُ، التوَّابُ، وهذا توحيد الألوهيةِ[26][26].

والعلمُ عند اللهِ تعالى، وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصَلَّى اللهُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آله وصحبه وإخوانِه إلى يوم الدِّين، وسَلَّم تسليمًا.

الجزائر في: 14 جمادى الأولى 1429ﻫ / الموافق ﻟ: 19 مـاي 2008م. ٳھ[27][27]

 

وسائل التوحيد :

 

لتوحيد الله في الربوبية والإلهية وسائله أو دلائله، فهي وسائل لمن شاء أن يكون خالص التوحيد اعتقادا وعملا، ودلائل يفصل بها المؤمن الصادق بين الموحد والمشرك، وتلك الوسائل هي حسب ما فهمته من كتاب الله واستنبطها منه.

أولا: طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .

ثانيا: تقوى الله سبحانه وتعالى وحده فيما يطيع به الإنسان ربه، والرسول، ليكون لله الدين الخالص.

ثالثا: اتباع الكتاب والسنة، حتى تكون الطاعة عن بينة هادية، والعمل خالصا من كل شائبة، والاعتقاد في الله حق اليقين.

رابعا: الاحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله كلما وقع بين المسلمين خلاف سواء أكان في شئون الدنيا أم في شئون الدين، حتى تظل وحدة المسلمين ثابتة مكينة، والتآخي بينهم قويا صادق الشعور.

خامسا: الحكم بكتاب الله وسنة رسوله بين المختلفين أو المتخاصمين، مسلمين أو غير مسلمين، حتى تظل الدولة الإسلامية قوية العماد، لا ينتقض عليها أفرادها، ولا يختلف فيها محكوم على حاكم، ما دام حكم الله يشمل الجميع، ويطبق عليهم تطبيقا صحيحا عادلا.

سادسا: الرضى بحكم الله، والصبر عليه، والإذعان الكامل له.

تلك هي دلائل التوحيد ـ أو هي وسائله ـ التي يجب على المسلمين أن يتوصلوا بها وحدها إذا شاءوا أن يكونوا أولياء الله، وأن يكون الله وليهم، وأن يسودوا العالم كله بالحق والعدل والسلام والرحمة.

وتلك الوسائل متلازمة، لا تنفصل إحداها عن الأخرى، فلن تكون مسلما إذا ادعيت طاعة الله ورسوله وأنت تتبع في دينك غير الكتاب والسنة، ولن تكون الدولة مسلمة إذا لم تحكم بالكتاب والسنة، ولن يكون المسلم مسلما إذا ما اتقى في عمله غير الله أو ابتغى به غير وجه الله.[28][28]

 

 

 

 

 

 

التوحيد والإيمان :

 

قال الشيخ العثيمين رحمه الله :

التوحيد :  هو ( إفراد الله عز وجل بما يختص به ويجب له ) .

والإيمان : هو ( التصديق المتضمن للقبول والإذعان ) .

وبينهما عموم وخصوص فكل موحد مؤمن وكل مؤمن موحد بالمعنى العام .

ولكن أحياناً يكون التوحيد أخص من الإيمان، والإيمان أخص من التوحيد. والله أعلم.[29][29]

 

منزلة علم التوحيد :

 

( إن منزلة علم التوحيد عظيمة ، ومما يدل على شرف هذا العلم :

أولاً : أنه أول دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام ، وما من نبي إلا قال لقومه : { يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } [المؤمنون / 23] { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً } [الأعراف / 85] { وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} [الأعراف /73].

ثم إنه أول واجب على المكلف ، فأول ما يجب على المكلف هو توحيد الله تعالى ، بل هو أول ما يدخل به الإنسان إلى الإسلام ، فلا يدخل الإنسان إلى الإسلام إلا بتوحيد الله تعالى ، ولذلك نقول : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ) [30][30] بدأ بقضية التوحيد ، مما يدل على عظم منزلته ، وأنه أول ما يدخل به الإنسان إلى الإسلام .

قالوا : إنه أول منازل الطريق والسير إلى الله تعالى ، ومن سار إلى الله بغير توحيد فلن يعرف الطريق ولم يسر إلى الله حق السير .

ثانياً : ومن منزلة التوحيد كذلك أنه الحياة لكل إنسان ، ولا حياة للمسلم أبداً إلا بتوحيد الله تعالى ، والله قد ذكره في كتابه : { أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ } [الأنعام/122] أي حياة تلك إلا بوقور لا إله إلا الله في قلبه ، والعمل بمقتضاه ، مما يدل على أن للتوحيد منازل عليا .

ثالثاً : ومن منزلة التوحيد أنه جعل نوراً يضيء القلوب { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ } [الشورى/52 ] وأعظم ما يُهدى إليه الإنسان وينور قلبه به هو توحيد الله تعالى ، ولذلك تعتبر قلوب أهل الكفر والشرك مظلمة ، أما قلوب أهل الإيمان والتوحيد مضاءة أشد من ضوء الشمس ؛ لأنهم يبصرون بتوحيد الله تعالى ، ويحصل لهم السعادة في الدنيا والآخرة .

رابعاً : ومن منزلة التوحيد أن الإنسان لا يستغني عنه طرفة عين ، وسبحان ربي ! إن الإنسان ليتأمل الصلوات، يصلي الفجر وليس علينا صلاة بعدها إلا وقت الظهر وهكذا ، والصيام يمر في العام مرة ، والحج وهكذا العبادات ، لكن توحيد الله لا نستغني عنه طرفة عين ، فما نقول : هذا الوقت ليس عندنا توحيد فيه ولا نحتاج إليه أبداً ، بل يصبح التوحيد مع الإنسان منذ أن يدخل في دين الله تعالى إلى أن يودع هذه الدنيا وتوحيد الله معه كاملاً .

خامساً : ومن منزلة التوحيد أنه آخر ما يودع به الإنسان الدنيا ، ولقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة ) [31][31] دل على أن بدايتك توحيد ونهايتك توحيد ، بل كل أجزاء حياتك هي توحيدٌ لله تعالى ، وأعظم دليل على ذلك قول الله تعالى : (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ )(الأنعام /162-163) حياتك كلها لله ، وهكذا وفاتك يجب أن تكون لله؛ ليصبح الإنسان جل وقته وحياته هو لله تعالى .

سادساً : قيل : إن التوحيد من منزلته أنه شفاء ، كم نجد ممن دخل في دين الله تعالى كان التوحيد شفاء لقلوبهم ، نسمع من كثير ممن أسلم سبب توحيده أنه لم يجد في عقائده التي كان عليها شفاء لما في قلبه، ولا إجابة لأسئلة ملحة عليه إلا في توحيد الله تعالى ، فالحمد لله على هذا التوحيد ) . إھ [32][32]

 

القرآن الكريم والتوحيد :

 

إن القرآن كله في تقرير التوحيد بأنواعه ، لأنه :

1/ إما خبر عن الله عز وجل وما يجب أن يوصف به ، وما يجب أن ينزه عنه ، وهو التوحيد العلمي الخبري الاعتقادي (توحيد الربوبية والأسماء والصفات) .

2/ وإما دعوة إلى عبادته وحده لا شريك له وخلع ما يعبد من دونه ، وهو التوحيد الطلبي الإرادي (توحيد الألوهية) .

3/ وإما أمر ونهي وإلزام بطاعته فذلك من حقوق التوحيد ومكملاته .

4/ وإما خبر عن إكرامه لأهل التوحيد وما فعل بهم في الدنيا من النصر والتأييد وما يكرمهم به في الآخرة ، وهو جزاء توحيده ، أو خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم في الدنيا من النكال ، وما يفعل بهم في العقبى من العذاب فهو جزاء من خرج عن حكم توحيده .[33][33]

 

ثمرات معرفة أسماء الله الحسنى :

 

إن لمعرفة أسماء الله الحسنى ثمرات عديدة منها :

تذوق حلاوة الإيمان.

عبادة الله عز وجل.

زيادة محبة العبد لله والحياء منه.

الشوق إلى لقاء الله عز وجل.

زيادة الخشية لله ومراقبته.

عدم اليأس والقنوط من رحمة الله.

زيادة تعظيم الله جل وعلا.

حسن الظن بالله والثقة به.

هضم النفس وترك التكبر.

10.الإحساس بعلو الله وقهره. [34][34]

 

خلاف أهل القبلة في توحيد الأسماء والصفات :

 

إعلم أن توحيد الأسماء والصفات هو الذي كثر فيه الخوض بين أهل القبلة فانقسموا في النصوص الواردة فيه إلى ستة أقسام :

القسم الأول : من أجروها على ظاهرها اللائق بالله تعالى من غير تحريف ، ولا تعطيل ، ولا تكييف ، ولا تمثيل ، وهؤلاء هم السلف ، وهذا هو الصواب المقطوع به لدلالة الكتاب ، والسنة، والعقل ، والإجماع السابق عليه دلالة قطعية أو ظنية . وهو منهج أهل السنة والجماعة .

القسم الثاني : من أجروها على ظاهرها لكن جعلوها من جنس صفات المخلوقين . وهؤلاء هم الممثلة ، ومذهبهم باطل بالكتاب ، والسنة والعقل ، وإنكار السلف .

القسم الثالث : من أجروها على خلال ظاهرها ، وعينوا لها معاني بعقولهم ، وحرفوا من أجلها النصوص . وهؤلاء هم أهل التعطيل فمنهم من عطل تعطيلاً كبيراً كالجهمية والمعتزلة ونحوهم، ومنهم من عطل دون ذلك كالأشاعرة .

القسم الرابع : من قالوا : الله أعلم بما أراد بها ، فوضوا علم معانيها إلى الله وحده . وهؤلاء هم أهل التجهيل المفوضة ، وتناقض بعضهم فقال : الله أعلم بما أراد ، لكنه لم يرد إثبات صفة خارجية له تعالى .

القسم الخامس : من قالوا : يجوز أن يكون المراد بهذه النصوص إثبات صفة تليق بالله تعالى وأن لا يكون المراد ذلك . وهؤلاء كثير من الفقهاء وغيرهم .

القسم السادس : من أعرضوا بقلوبهم وأمسكوا بألسنتهم عن هذا كله واقتصروا على قراءة النصوص ولم يقولوا فيها بشيء .

وهذه الأقسام سوى الأولى باطلة . [35][35]

فالواجب : أن نؤمن بما وصف الله وسمى به نفسه في كتابه ، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، من غير تحريف ، ولا تعطيل ، ولا تكييف ، ولا تمثيل .

 

أسباب الخوض والخلط في مسألة الأسماء والصفات :

 

1/ دخول كتب الفلسفة إلى بلاد المسلمين وترجمتها إلى اللغة العربية .

2/ تأثر بعض المنتسبين إلى الإسلام ببعض المذاهب الباطلة .

3/ تحكيم العقل في نصوص الوحيين .

4/ قياس الخالق على المخلوق .

5/ زعم تنزيه الخالق .

6/ توهم وقوع التشبيه .[36][36]

 

 

 

 

 

 

 

دلالة الأسماء الحسنى على التّنزيه :

 

1 ـ التّنزيه الشرّعيّ هو ما دلّت عليه أسماء الربّ وآياته من تنزيه الربّ عمّا لا يليق به من الأسماء والصّفات والأفعال والأنداد والأمثال .

2 ـ أسماء الربّ تبارك وتعالى من أعظم أدلّة التّنزيه ، وهي تدلّ على التّنزيه باعتبار وصفها ، وتدلّ عليه باعتبار آحادها .

3 ـ التّنزيه الَّذي دلّت عليه أسماء الربّ باعتبار وصفها يشمل التّنزيه عن أسماء الذمّ وأفعاله ، والتنزيه عن الأعلام الجامدة ، والتنزيه عن الأسماء الاصطلاحيّة ، والتنزيه عن ظنون السوء ، والتنزيه عن الشّريك .

4 ـ التّنزيه الَّذي دلّت عليه الأسماء الحسنى باعتبار آحادها يشمل التّنزيه المطلق ، والتنزيه عن أعيان النّقائص، والتنزيه عن المثل .

5 ـ من أسماء الله ما يدلّ على التّنزيه المطلق ؛ وهي أسماء التّقديس المطلق ، وأسماء التمجيد الَّتي تدلّ على جميع صفات الكمال ولا تختصّ بصفة معيّنة .

6 ـ ومنها ما يدلّ على التّنزيه عن أعيان النّقائص ؛ وهي معظم الأسماء ، فمنها ما يدلّ على التّنزيه عن الحدوث وخصائصه ، ومنها ما يدلّ على التّنزيه عن الجهل ، أو عن العجز ، أو عن العبث ، أو عن الظّلم ، أو عن الفقر ، أو عن البخل ، أو عن سائر النّقائص .

7 ـ أمّا ما يدلّ على التّنزيه عن المثل من الأسماء ؛ فإسم الأحد ، والواحد ، وأسماء التّقديس والتمجيد العامّة ، والأسماء الَّتي فسّرت بما يدلّ على نفي المثل ؛ كالعزيز، والقهّار، والمتكبّر .إھ  [37][37]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فائدة جليلة :

 

( فائدة جليلة أقسام ما يجرى صفةً أو خبراً على الربِّ تبارك وتعالى :

ما يجرى صفةً أو خبراً على الربِّ تبارك وتعالى أقسامٌ :
أحدها : ما يرجع إلى نفس الذات[38]
[38] ، كقولك : ذاتٌ ، وموجودٌ ، وشيءٌ .

الثاني : ما يرجع إلى صفات معنوية [39][39] ؛ كالعليم ، والقدير ، والسميع .
الثالث : ما يرجع إلى أفعاله [40]
[40]، نحو : الخالق والرزاق .

الرابع : ما يرجع إلى التنزيه المحض ، ولا بد من تضمنه ثبوتاً ؛ إذ لا كمال في العدم المحض [41][41]؛ كالقدوس والسلام .
الخامس : ولم يذكره أكثر الناس ، وهو الإسم الدالُّ على جملة أوصاف عديدة لا تختص بصفة معينة ، بل هو دال على معانٍ لا على معنى مفرد ، نحو : المجيد ، العظيم ، الصمد ، فإن المجيد : من اتصف بصفات متعددة من صفات الكمال ، ولفظه يدل على هذا ، فإنه موضوع للسَّعة والكثرة والزيادة ، فمنه :(استمجَدَ المَرخُ والعَفَارُ ) وأمجد الناقة علفا . ومنه : رب العرش المجيد ، صفة للعرش لسعته وعظمه وشرفه .
وتأمل كيف جاء هذا الإسم مقترنا بطلب الصلاة من الله على رسوله كما علمناه صلى الله عليه وآله وسلم ؛ لأنه في مقام طلب المزيد والتعرض لسعة العطاء وكثرته ودوامه، فأتى في هذا المطلوب باسم يقتضيه ، كما تقول : ( اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ) ، ولا يحسن (إنك أنت السميع البصير ) ، فهو راجع إلى المتَوَسَّل إليه بأسمائه وصفاته ، وهو من أقرب الوسائل وأحبها إليه . ومنه الحديث الذي في المسند والترمذي ( ألظوا بياذا الجلال والإكرام )[42]
[42] ومنه ( اللهم إني أسألك بأن لك الحمد لا إله إلا أنت المنان بديع السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام )[43][43] فهذا سؤال له وتوسل إليه وبحمده ، وأنه الذي لا إله إلا هو المنان ، فهو توسل إليه بأسمائه وصفاته ، وما أحق ذلك بالإجابة وأعظمه موقعا عند المسؤول ، وهذا باب عظيم من أبواب التوحيد أشرنا إليه إشارة ، وقد فتح لمن بَصَّرَهُ الله .

ولنرجع إلى المقصود ، وهو وصفه تعالى بالإسم المتضمن لصفات عديدة ؛ فالعظيم من اتصف بصفات كثيرة من صفات الكمال . وكذلك الصمد ، قال ابن عباس : هو السيد الذي كَمُل في سؤدده . وقال ابن وائل : هو السيد الذي انتهى سؤدده .
وقال عكرمة : الذي ليس فوقه أحد ، وكذلك قال الزجاج : الذي ينتهي إليه السؤدد فقد صمد له كل شيء . وقال ابن الأنباري : ( لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد السيد الذي ليس فوقه أحد ، الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وأمورهم ) . واشتقاقه يدل على هذا ، فإنه من الجمع والقصد فهو الذي اجتمع القصد نحوه ، واجتمعت فيه صفات السؤدد ، وهذا أصله في اللغة كما قال :

 

ألا بكر الناعي بخير بني أسد        بعمرو بن يربوع وبالسيد الصمد


والعرب تسمي أشرافها : بالصمد ؛ لاجتماع قصد القاصدين إليه ، واجتماع صفات السيادة فيه .
السادس صفة تحصل من اقتران أحد الإسمين والوصفين بالآخر، وذلك قدرٌ زائد على مفرديهما نحو : الغني الحميد ، العفو القدير[44]
[44] ، الحميد المجيد ، وهكذا عامة الصفات المقترنة والأسماء المزدوجة في القرآن ، فإن الغنيُّ صفة كمال ، والحمد كذلك ، واجتماع الغنى مع الحمد كمال آخر ، فله ثناء من غناه ، وثناء من حمده ، وثناء من اجتماعهما ، وكذلك : العفو القدير ، والحميد المجيد ، والعزيز الحكيم ، فتأمله فإنه من أشرف المعارف

وأما صفات السلب المحض ؛ فلا تدخل في أوصافه تعالى إلا أن تكون متضمنة لثبوتٍ؛ ك ( الأحد ) المتضمن لانفراده بالربوبية والإلهية ، ( والسلام ) المتضمن لبراءته من كل نقص يضاد كماله ، وكذلك الإخبار عنه بالسُّلُوب ؛ هو لتضمنها ثبوتا كقوله تعالى : ( لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ ) (البقرة /255) ، فإنه متضمن لكمال حياته وقيوميته ، وكذلك قوله تعالى : ( وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ ) (ق /38) ، متضمن لكمال قدرته، وكذلك قوله :(وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء) يونس / 61، متضمن لكمال علمه ، وكذلك قوله : ( لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ ) (الإخلاص/ 3)، متضمن لكمال صمديته وغناه ، وكذلك قوله : ( وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ )(الإخلاص/4)، متضمن لتفرده بكماله وأنه لا نظير له ، وكذلك قوله تعالى : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ) (الأنعام / 103) ، متضمن لعظمته ، وأنه جلَّ عن أن يُدرَك بحيثُ يُحاط به وهذا مطرد في كل ما وَصَفَ به نفسه من السُّلُوب .) [45][45]

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المبحث الثاني : قواعد ( ضوابط ) تتبع الأسماء الحسنى من الكتاب والسنة على منهج اهل السنة والجماعة.

 

عني المسلمون عنايةً قصوى بإحصاء أسماء الله الحسنى لأنّ العلم بها أشرف العلوم على الإطلاق ولدلالتها على ذات الربّ ، وصفاته ، وأفعاله ، وإلاهيّته ؛ وذلك هو أصل الإيمان وغايته ؛ ولهذا وعد الله تعالى من أحصاها بالجنّة ، لما رواه البخاريّ ومسلم بسنديهما عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا : ( إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا ، مِائَةً إِلاَّ وَاحِدًا ، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ) .[46][46]

وليعلم أن السادة العلماء رحمهم الله تعالى اجتهدوا في أمر تعيين الأسماء الحسنى طمعاً في وعد الله تعالى.

ومن الطبيعي أن تختلف أنظار المجتهدين في هذا الموضع الَّذي ليس فيه نصّ مسلّم بصحّته ، ولكن هناك قواعد وضوابط تعين على تحديد المنهج الصّحيح في استقراء الأسماء الحسنى ، وعلى الحكم على أعيان الأسماء بالاعتبار أو عدمه ، وقد اجتهد أهل العلم من أهل السنة سلفًا وخلفًا في وضع قواعد وضوابط لذلك.

إن تتبع أسماء الله الحسنى لم يكن حصرا على جيل دون جيل ، ولا زمان دون آخر ، وإنما هو مطلق لكل عصر وجيل إلى أن يرث الله عز وجل الأرض ومن عليها .

وتتبع أهل العلم للأسماء الحسنى -  من المتقدمين والمتأخرين -  كان مبنيا على الاجتهاد من خلال استقرائهم للنصوص من الكتاب والسنة . ونظرًا لعدم ثبوت الخبر في سرد الأسماء ، فقد اعتنى فريق من أهل العلم بتتبّع الأسماء إمّا من القرآن وحده ، وإمّا من القرآن وصحيح الأخبار .

قال ابن الوزير: ( وثبتأنحصرالأسماءالتسعةوالتسعينلاينالإلابتوفيقاللهتعالى ،كساعةالإجابةيومالجمعةلأنهامجملةفيأسماءالله . ) .[47][47]

 

ضوابط وفوائد في أسماء الله وصفاته سبحانه وتعالى وتحقيق القول فيها.

 

قال ابن القيم الجوزية في بدائع الفوائد [48][48] :

ويجب أن يُعْلَم هنا أمور :

 

الأول : أن ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته ، كالشيء ، والموجود، والقائم بنفسه ، فإن هذا يُخْبر به عنه ، ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العُلى . [49][49]

 

قال الشيخ عبد الرحيم بن صمايل العلياني السلمي :

(يطلق على الله عز وجل ثلاثة أمور:

 

الأول: الاسم .

الثاني: الصفة.

الثالث: الخبر.

 

وبين هذه الثلاثة الأمور فروق يمكن أن نذكر شيئاً منها.

أما الاسم[50][50]: فهو ما يدل على ذات الله سبحانه وتعالى مع دلالته على صفة الكمال، وكل ما دل على ذات الله سبحانه وتعالى ودل على صفة كمال فهو اسم الله سبحانه وتعالى.

وأما الصفة: فإنها التي تدل على معنى يقوم بذات الله سبحانه وتعالى، ومن هنا نلاحظ أن الاسم يدل على أمرين، والصفة تدل على أمر واحد.

فالأمران الأولان اللذان يدل عليهما الاسم: دلالته على الذات ودلالته على صفة يحملها هذا الاسم، وأما الصفة فإنها تدل على أمر واحد وهو مجرد الوصف، هذا من جهة.ومن جهة أخرى فإن الاسم هو الذي يعبَّد له، فيقال في الرحمن عبد الرحمن، ويقال في العزيز عبد العزيز، ويقال في الكريم عبد الكريم، لكن الصفة لا يعبد لها، فلا يقال في الرحمة مثلاً: عبد الرحمة، ولا يقال: عبد المُلك، وعبد العزة.

ومن جهة أخرى، فالاسم هو العلم في اللغة، والصفة هي المصدر، فمثلاً العزيز علم، وأما العزة فهي المصدر.

وأسماء الله سبحانه وتعالى هي الأعلام التي تدل على ذات الله عز وجل وتتضمن الصفات، فالعزيز والحليم والرحيم تتضمن العزة والحلم والرحمة ، وهكذا فكل اسم من أسماء الله يتضمن صفة من صفاته.[51][51]

وأما الخبر فهو ما يطلق على الله عز وجل بغير توقف[52][52]، كأن يقال: إن الله سبحانه وتعالى واجب الوجود مثلاً، أو إن الله سبحانه وتعالى قديم أزلي، وهذه الألفاظ لم ترد في السنة ولم ترد في القرآن، لكن يصح إطلاقها على الله عز وجل من باب الخبر، ومن هذا الباب يصح ترجمة معاني أسماء الله في أي من الألفاظ السابقة وغيرها، وأهم شيء ألا يدل هذا اللفظ على نقص أو ذم، وإنما يدل على معنى حسن أو على أقل تقدير لا يجوز على معنى سيئ، فيقال مثلاً: الله عز وجل شيء موجود، ويمكن أن يقال: واجب الوجود، وقد ذكر أهل العلم في ضمن ردودهم على الفرق الضالة ذكر بعض الأمور التي أضافوها إلى الله سبحانه وتعالى ولم يرد فيها نص من القرآن أو السنة، لكنهم لم يدرجوها على أنها أسماء من أسماء الله أو على أنها صفات من صفاته، وإنما أضافوها على سبيل الخبر والحكاية، ولهذا هناك قاعدة، وهي أن باب الخبر واسع، وباب الصفات أضيق منه، وباب الأسماء أضيق من باب الصفات.

ومن جملة الفروق بين الأسماء والصفات من جهة وبين الخبر من جهة أخرى، هو أن الأسماء والصفات توقيفية، يعني: مبنية على النص من القرآن ومن السنة، بينما الخبر ليس مبيناً على النص، لكنه مبني على المعنى الصحيح الثابت لله سبحانه وتعالى، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى فإن الاسم يدعى به؛ فيقال: يا عزيز يا كريم، لكن ما يخبر به عن الله لا يدعى به، فلا يقال: يا واجب الوجود مثلاً.

كما أن الأسماء والصفات جميعاً قد بلغت الغاية في الحسن، بينما الأخبار لا يشترط أن تكون حسنة بمعنى: لا يشترط أن تكون أحسن ما يكون من الألفاظ، وإنما أهم شيء أن تدل على المعنى بغير تضمن للنقص وللإساءة، وإنما تدل على المعنى الصحيح، مثل الموجود فيصح أن يحكى عن الله عز وجل بأنه موجود، بينما كلمة موجود لا تتضمن مدحاً ولا تتضمن معنى حسناً، لكن يصح أن يخبر عن الله عز وجل بها، ولهذا قد يستغرب بعض طلاب العلم عندما يقرأ كلاماً –مثلاً- لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول فيه إن الله عز وجل واجب الوجود وإنه قديم أزلي، ويحكي عنه بألفاظ لم ترد في الكتاب والسنة.

وذلك أن باب الأخبار واسع وأهم شيء هو أن يكون المعنى صحيحاً، وفيها ترجمة لأسماء الله سبحانه وتعالى، ويصح ترجمة أسماء الله لغير العرب وتقريب معانيها إلى أفهامهم بألفاظ ليست واردة في القرآن وليست واردة في السنة مادامت دلت على معنى صحيح.) ٳھ[53][53]

قال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ : ( باب الإخبار عن الله تعالى أوسع من باب الأفعال ، وباب الأفعال أوسع من باب الصفات ، وباب الصفات أوسع من باب الأسماء الحسنى . ومن باب الإخبار أن نخبر عن الله جل وعلا بفعل أو بصفة أوباسم، لكنه ليس من باب وصف الله جل وعلا به وإنما من جهة الإخبار لا جهة الوصف . وإذا كان الإخبار بمعنى صحيح لم ينفَ في الكتاب والسنة وثبت جنسه في الكتاب والسنة فإنه لا بأس أن يخبر عن ذلك ) .[54][54]

والسلف لهم في باب الإخبار قولان :

( القول الأول : أن باب الإخبار توقيفي ، فإن الله لا يُخْبَرُ عنه إلا بما ورد به النص ، وهذا يشمل الأسماء والصفات ، وما ليس باسم ولا صفة مما ورد به النص كـ (الشيء)[55][55] و(الصانع)[56][56] ونحوها . وأما مالم يرد به النص فإنهم يمنعون استعماله .

القول الثاني : إن باب الإخبار لا يشترط فيه التوقيف ، فما يدخل في الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته ، كـ (الشيء) و(الموجود) و(القائم بنفسه) ، فإنه يخبر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا ، فالإخبار عنه قد يكون باسم حسن ، أو باسم ليس بسيِّئ ، أي باسم لا ينافي الحسن ، ولا يجب أن يكون حسناً ، ولا يجوز أن يخبر عن الله باسم سيِّئ فيخبر عن الله بما لم يرد إثباته ونفيه بشرط أن يستفصل عن مراد المتكلم فيه ، فإن أراد به حَقًّا يليق بالله تعالى فهو مقبول ، وإن أراد به معنى لا يليق بالله عز وجل وجب رده).[57][57]

 

الثاني : أن الصفة إذا كانت منقسمة إلى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في أسمائه بل يطلق عليه منها كمالها وهذا كالمريد والفاعل والصانع فإن هذه الألفاظ لا تدخل في أسمائه ولهذا غلط من سماه بالصانع عند الإطلاق بل هو الفعال لما يريد فإن الإرادة والفعل والصنع منقسمة ولهذا إنما أطلق على نفسه من ذلك أكمله فعلا وخبرا.[58][58]

 

قلت : إن الله جل جلاله لا يدعى إلا بأسمائه الحسنى خاصة ، فلا يدعى ولا يسمى بالمريد والمتكلم ، وإن كان معناهما حقاً ، فإنه يوصف بأنه مريد متكلم ، ولا يسمى بهما ، لأنهما ليسا من الأسماء الحسنى ، فإن من الكلام ما هو محمود ومذموم [59][59]، كالصدق والكذب ، ومن الإرادة  كذلك كإرادة العدل والظلم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : ( وأما تسميته سبحانه بأنه مريد وأنه متكلم فإن هذين الاسمين لم يردا في القرآن ولا في الأسماء الحسنى المعروفة ومعناهما حق ولكن الأسماء الحسنى المعروفة هي التي يدعى الله بها وهي التي جاءت في الكتاب والسنة وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها ) ٳھ . [60][60]


الثالث : أنه لا يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيدا أن يشتق له منه اسم مطلق كما غلط فيه بعض المتأخرين فجعل من أسمائه الحسنى المضل الفاتن الماكر تعالى الله عن قوله فإن هذه الأسماء لم يطلق عليه سبحانه منها إلا أفعال مخصوصة معينة فلا يجوز أن يسمى بأسمائها .[61]
[61]

 

قال الشيخ ابن عثيمين في شرحه على صحيح البخاري المخطوط  ص 12 :

( كل أسماء الله حسنى ولذلك قال الله تعالى : ( وله الأسماء الحسنى ) والحسنى اسم تفضيل يقابله في المذكر أحسن يقال رجل أحسن وامرأة حسنى ، وهنا قال الأسماء الحسنى فجعل الوصف وصف مؤنث لأن الأسماء جمع والجمع يوصف بالمؤنث إلا جمع العاقل فيوصف بحسب ما يقتضيه المعنى ، إن كان للذكور فجمع مذكر سالم وإن كان للإناث فجمع مؤنث سالم أما غير العاقل فإنه يجمع وصفه على جمع المؤنث ، إذاً أسماء الله تعالى كلها حسنى والحسنى هي المشتملة على أكمل وجوه الحسن فهي حسنى ليس فيها نقص بوجه من الوجوه فيفهم من هذه القاعدة :

أنه لا يوجد في أسماء الله اسم يحتمل معنيين ، معنى حسن ومعنى غير حسن ولهذا لم يكن من أسماء الله المتكلم ولا من أسمائه المريد مع أنه متكلم مريد ، قال العلماء : لأن المتكلم من قام به الكلام والكلام قد يكون حسناً وقد يكون سيئاً وكذلك الإرادة ولهذا لا يصح أن نسمى الله بالمتكلم أو نسمى الله بالمريد لكن يوصف بأنه متكلم وأنه مريد لأن باب الإخبار أوسع من باب التسمية لأن التسمية إنشاء تنشأ اسما للمسمى الذي تريد أن تسميه لكن الإخبار مجرد خبر ليس بإنشاء ولذلك قالوا الإخبار أوسع من الإنشاء فقد يخبر عن الشيء بشيئين ولا يسمى به مثل المتكلم وحينئذ يمكن أن نقسم ما يضاف إلى الله عز وجل إلى أربعة أقسام :-

القسم الأول :- ما تضمن كمال الحسن فهذا يكون من أسمائه 0

القسم الثاني : ما كان حسناً من وجه دون وجه فهذا يخبر به عنه ولا يسمى به .

القسم الثالث : - ما كان محموداً في حال دون حال فهذا يوصف به في الحال التي يكون فيها محموداً ولا يسمى به على الإطلاق مثل المكر والخداع والاستهزاء والكيد هذه أوصاف إن ذكرت في مقابل من يعامل بهذه الأوصاف صارت أوصافاً محمودة ويوصف الله بها وإلا فلا ، فمثلاً المكر وصف الله نفسه بأنه يمكر ولكن وصفاً مقيداً بمن يمكر به فقال  ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) فلا يصح أن تقول إن الله ماكر وهذا هو الفرق بين هذا وبين قولنا الله متكلم لأنه يجوز أن نقول أن الله متكلم على وجه الإطلاق لكن لا يجوز أن تقول أن الله ماكر إلا إذا قيدته فقلت ماكر بمن يمكر به لأن المكر لا يكون مدحاً إلا حيث كان في مقابل مكر آخر ليتبين به أن قوة الله عز وجل أقوى من قوة هذا الماكر وكذلك نقول في الخداع ( يخادعون الله وهو خادعهم ) فلا تصح بأن تصف الله بأنه خادع أو مخادع على وجه الإطلاق قل خادع من يخادعه كذلك المستهزئ لا يصح أن نقول الله مستهزئ على سبيل الإطلاق بل نقول مستهزئ بمن يستهزئ به وكذلك الكيد نقول إن الله لا يكيد على أحد إلا من كاد عليه لقوله تعالى ( إنهم يكيدون كيداً وأكيد كيداً )

القسم الرابع :- ما لا يصح أن ينسب لله إطلاقاً وهو ما تضمن نقصاً مطلقاً فهذا لا يصح أن يضاف إلى الله إطلاقاً مثل الخائن والعياذ بالله هذا لا يمكن أن نصف الله به مطلقاً ) . إھ .[62][62]

 

الرابع : أن أسماءه عز وجل الحسنى هي أعلام وأوصاف ، والوصف بها لا ينافي العلمية ، بخلاف أوصاف العباد فإنها تنافي علميتهم ، لأن أوصافهم مشتركة فنافتها العلمية المختصة ، بخلاف أوصافه تعالى .[63][63]

 

أسماء الله تعالى كلها حسنى : أي بالغة في الحسن غايته وذلك لأنها متضمنة لصفات كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه لا احتمالا ولا تقديرا [64][64]. ومن تمام كونها (حسنى) أنه لا يدعى إلا بها ، قالالإمام أبو حنيفة رحمه الله { لا ينبغي لأحد أن يدعو الله إلا به والدعاء المأذون فيه المأمور به ما استفيد من قوله تعالى ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) الأعراف /180} .[65][65]

والأسماء الحسنى ليست أعلاما جامدة خالية المعاني ، فإنها لو كانت كذلك ؛ لم تكن حسنى ، وبهذا علم أن : ( الدهر ) ليس من أسماء الله تعالى ، لأنه اسم  جامد ، لا يتضمن معنى يلحقه بالأسماء الحسنى ، ولأنه اسم للوقت والزمن ، قال الله تعالى عن منكري البعث ( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ وَمَا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ) الجاثية /24، يريدون مرور الليالي والأيام.[66][66]

قال ابن القيم في جلاء الأفهام : ( وكذلك أسماء الرب تعالى كلها أسماء مدح ولو كانت ألفاظا مجردة لا معاني لها لم تدل على المدح وقد وصفها الله سبحانه بأنها حسنى كلها فقال : ( ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون ) الأعراف /180، فهي لم تكن حسنى لمجرد اللفظ بل لدلالتها على أوصاف الكمال ولهذا لما سمع بعض العرب قارئا يقرأ ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله ) المائدة / 38 ، ( والله غفور رحيم ) قال ليس هذا كلام الله تعالى فقال القارئ أتكذب بكلام الله تعالى فقال : لا ولكن ليس هذا بكلام الله فعاد إلى حفظه وقرأ ( والله عزيز حكيم ) المائدة /38 فقال الأعرابي : صدقت ، عز فحكم فقطع ، ولو غفر ورحم لما قطع . ولهذا إذا ختمت آية الرحمة باسم عذاب أو بالعكس ظهر تنافر الكلام وعدم انتظامه.) ، ( ولو كانت هذه الأسماء أعلاما محضة لا معنى لها لم يكن فرق بين ختم الآية بهذا أو بهذا. وأيضا فإنه سبحانه يعلل أحكامه وأفعاله بأسمائه ولو لم يكن لها معنى لما كان التعليل صحيحا ). إھ . [67][67]

قالالشيخابنعثيمين : ( أناللهتعالىوصفأسماءهبأنهاحسنى،وأمرنابدعائهبهافقال: {وَلِلَّهِالْأَسْمَاءُالْحُسْنَىفَادْعُوهُبِهَا} [الأعراف: 180]. وهذايقتضيأنتكوندالةعلىمعانيعظيمةتكونوسيلةلنافيدعائنا،ولايصحخلوهاعنهاولوكانتأعلاماًمحضةلكانتغيردالةعلىمعنىسوىتعيينالمسمى،فضلاًعنأنتكونحسنووسيلةفيالدعاء. ) . إھ[68][68]

 

الخامس : أن الإسم من أسمائه له دلالات ؛ دلالة على الذات والصفة بالمطابقة ؛ ودلالة على أحدهما بالتضمن؛ ودلالة على الصفة الأخرى باللزوم .[69][69]

 

قال الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد: ( هذه الأنواع الثلاثة تسمى أنوع الدلالة اللفظية الوضعية.

وإليك بعض التفصيل في هذه الأنواع زيادة على ما مضى؛ لتتضح بصورة أجلى.

الدلالة المطابقية: وهي دلالة اللفظ على تمام ما وضع له من حيث إنه وضع له.

وذلك مثل : دلالةاسم(العليم) على ذات الله وعلمه، أي دلالةالاسم على المسمى، والصفة المشتقة من الاسم نفسه وسميت مطابقية؛ لتطابق اللفظ والمعنى،وتوافقهما في الدلالة.

2- الدلالة التضمنية: وهي دلالة اللفظ على جزء ما وضع له في ضمن كل المعنى.

وسميت تضمنية لأنها عبارة عن فهم جزء من الكل؛ فالجزء داخل ضمن الكل، أي في داخله.

ومن هذا النوع مثلاً : دلالة اسم الله (السميع) على ذات الله وحدها، وعلى صفة السمع وحدها،بصرف النظر عن استعمال الجزء والكل، بل يقال على الصفة والموصوف.

3- الدلالة الإلتزامية: هي دلالة اللفظ على خارج عن معناه الذي وضع له.

مثل دلالة اسم الله (القدير) على صفة الحياة، وعلى العلم وغيرهما من صفات اللهتعالى.) إﻫ .[70][70]

قلت : (ودلالة اللزوم : هي دلالة اللفظ على معنىً في غيرِه لا ينفك تصوره عنه ، فمتى تصور الذهن الأول أصلا ، تصور الثاني فرعا ، كدلالة لفظ ( السقف ) على ( الحائط ) ، فإن السقف لا يقوم إلا على حائط ، فصار الحائط معنىً ملازما للسقف ، وإن اختلفت ماهيتهما .
وعرفها بعض أهل العلم ، بأنها : دلالة النتيجة على سببها ، كقول الأعرابي : البعرة تدل على البعير والأثر يدل على المسير ، فإن البعرة : نتيجة تدل على سببها وهو البعير الذي خرجت منه ، والأثر : نتيجة تدل على سببها وهو المسير .
وعرفها أيضا بأنها : دلالة المعلول على علته ، فالمعلول نتيجةُ علتِه ، فيكون لازما لها ، كدلالة الولد على الوطء نكاحا أو سفاحا، فهو معلول : الوطء ، إذ لا ولد بغير وطء إلا خارقة ترد مورد الآية ، فلا يقاس عليها .
وفي التنزيل : (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ، فنفي المعلول : ( الولد ) يستلزم نفي علته : ( الصاحبة ) ، إذ الأول يدل على الثاني : لزوما ، ونفي اللازم : نفي لملزومه
وقد أشار إلى تلك الدلالات إشارة موجزة : شمس الدين البعلي ، رحمه الله ، في ( تلخيص الروضة ) (1/23).
وأضاف إليها بعض أهل العلم :
دلالة الالتزام
وهي عكس دلالة اللزوم فهي دلالة السبب على النتيجة ، كدلالة الوطء على الولد إذا انتفت الموانع الكونية وتهيأت الأسباب فأذن الله ، عز وجل ، كونا ، بوقوع الحمل وتمامه. ) [71][71]

وإعلم  ... أن دلالة الأسماء الحسنى من جهة التضمن هي على أربعة أقسام :

( الأول : الاسم العلم المتضمن لجميع معاني الأسماء الحسنى وهو الله ، ولهذا تأتي الأسماء جميعها صفات له كقوله تعالى : { هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ } ، ونحو ذلك ، ولم يأت هو قط تابعا لغيره من الأسماء .

الثاني : ما يتضمن صفة ذات الله عز وجل كاسمه تعالى السميع المتضمن سمعه ، الواسع جميع الأصوات ، سواء عنده سرها وعلانيتها ، واسمه البصير المتضمن بصره النافذ في جميع المبصرات سواء دقيقها وجليلها ، واسمه العليم المتضمن علمه المحيط الذي { لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ } . واسمه القدير المتضمن قدرته على كل شيء إيجادا وإعداما ، وغير ذلك .

الثالث : ما يتضمن صفة فعل الله كالخالق الرازق البارئ المصور وغير ذلك .

الرابع : ما يتضمن تنزهه تعالى وتقدسه عن جميع النقائص كالقدوس السلام ) إھ[72][72]

وإعلم ... أن الإنسان إذا أنكر واحداً من هذه الدلالة ، فهو ملحد في الأسماء .‏

فلو قال : أنا أؤمن بدلالة الخالق على الذات ، ولا أؤمن بدلالته على الصفة ، فهو ملحد ‏في الاسم ولو قال : أنا أؤمن بأن (الخالق) تدل على ذات الله وعلى صفة الخلق ، لكن لا ‏تدل على ‏ صفة العلم والقدرة .

قلنا : هذا إلحاد أيضاً ، فلازم علينا أن نثبت كل ما دل عليه هذا الاسم ، فإنكار شيء مما دل على الاسم من الصفة إلحاد في الاسم سواء كانت دلالته على هذه الصفة دلالة مطابقة أو تضمن أو التزام .

 

السادس : أن أسماءه الحسنى لها اعتباران : اعتبار من حيث الذات ، واعتبار من حيث الصفات ، فهي بالإعتبار الأول مترادفة وبالإعتبار الثاني متباينة .[73][73]

 

قلت : فالرب والاله باعتبارهما دالان على ذات الله تعالى ،فدلالتهماعلىالذاتمترادفة، اما باعتبار دلالتهما على الصفة (المعنى) ، فالرب دل على الربوبية ، والاله دل على الالوهية ، فدلالتهما على الصفات متباينة.

قال الشيخ ابن عثيمين : (أما باعتبار دلالتها على الذات فهي مترادفة ، لأنها دلت على شيء واحد وهو الله عز وجل ، وأما باعتبار دلالتها على المعنى فهي متباينة ،لأن لكل اسم منها معنى غير المعنى في الاسم الثاني ، وما هو المترادف والمتباين ؟

المترادف : متعدد اللفظ متحد المعنى ، والمتباين : متعدد اللفظ والمعنى ، فحجر وإنسان متباين ، لأن اللفظ مختلف والمعنى مختلف ، وبشر وإنسان مترادف ، لأن اللفظ  متعدد والمعنى واحد .

الله ، الرحمن ، الرحيم ، الملك ، القدوس .... الخ ، باعتبار دلالتها على (الله) مترادفة، لأنها تدل على شيء واحد ، وباعتبار دلالة كل واحد منها على معناه متباينة )إﻫ [74][74]

وقال:( أن القول { بأن أسماء الله أعلام محضة مترادفة لا تدل إلا على ذات الله فقط } قول باطل ؛ لأن دلالات الكتاب والسنة متضافرة على أن كل اسم منها دال على معناه المختص به مع اتفاقها على مسمى واحد وموصوف واحد ، فالله تعالى هو الحي ، القيوم ، السميع ، البصير ، العليم ، القدير ، فالمسمى والموصوف واحد، والأسماء والصفات متعددة . ألا ترى أن الله تعالى يسمي نفسه باسمين أو أكثر في موضع واحد كقوله : ( هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ )(الحشر/ 23) فلو كانت الأسماء مترادفة ترادفاً محضاً لكان ذكرها مجتمعة لغواً من القول لعدم الفائدة. ) إﻫ [75][75]

 

 

 

 

 

 

السابع : أن ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي ، وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفا ، كالقديم ، والشيء ، والموجود ، والقائم بنفسه . فهذا فصل الخطاب في مسألة أسمائه هل هي توقيفية أو يجوز أن يطلق عليه منها بعض ما لم يرد به السمع . [76][76]

 

قال الشيخصالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان: (أن أسماء الله وصفاته توقيفية؛ بمعنى أنهم لا يثبتون لله إلا ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو أثبته له رسوله في سنته من الأسماء والصفات، ولا يثبتون شيئا بمقتضى عقولهم وتفكيرهم، ولا ينفون عن الله إلا ما نفاه عن نفسه في كتابه أو نفاه عنه رسول في سنته، لا ينفون عنه بموجب عقولهم وأفكارهم؛ فهم لا يتجاوزون الكتاب والسنة، وما لم يصرح الكتاب والسنة بنفيه ولا إثباته؛ كالعرض والجسم والجوهر؛ فهم يتوقفون فيه؛ بناء على هذا الأصل العظيم.) [77][77]
وقال الدكتور عبد القادر بن محمد عطا صوفي : ( المراد من كون العقيدة توقيفية : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم  قد أوقف أمته على مباحث العقيدة ، فلم يترك لهم شيئا إلا بينه . فيجب على الأمة أن تقف عند الحدود التي حدها وبينها .

لقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم العقيدة بالقرآن والسنة، فما ترك منها شيئا إلا بينه.ويلزم من هذا :

 

 

 

1- أن نحدد مصادر العقيدة ، بأنها الكتاب والسنة فقط .

2- أن نلتزم بما جاء في الكتاب والسنة فقط . فليس لأحد أن يحدث أمرا من أمور الدين ، زاعما أن هذا الأمر يجب التزامه أو اعتقاده ؛ فإن الله عز وجل أكمل الدين ، وانقطع الوحي ، وختمت النبوة ، يقول تعالى :{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينًا } [المائدة / 3] ، ويقول صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد )[78][78] .

وهذا الحديث قاعدة من قواعد الدين ، وأصل من أصول العقيدة .

3- أن نلتزم بألفاظ العقيدة الواردة في الكتاب والسنة ، ونتجنب الألفاظ المحدثة التي أحدثها المبتدعة ؛ إذ العقيدة توقيفية ، فهي مما لا يعلمه إلا الله .)[79][79]

 

مسألة هامة

بيان معنى الإجماع في العقائد عند أهل السنة والجماعة.

 

( الإجماع الذي يذكر في العقائد غير الإجماع الذي يذكر في الفقه ، إجماع أهل العقائد معناه أنه لا تجد أحدا من أئمة الحديث والسنة يذكر غير هذا القول ويرجحه ، هذا معناه الإجماع ، وإذا خالف أحد ، واحد أو نحوه فلا يعد خلافا ، لأنه يعد خالف الإجماع ، فلا يعد قولا آخر .) (الإجماع في العقائد يعني أن أهل السنة والجماعة تتابعوا على ذكر هذا بدون خلاف بينهم .) ( إذن الخلاصة أن مسألة الإجماع معناها : أن يتتابع العلماء على ذِكْر المسألة العقدية ، إذا تتابعوا على ذِكرها بدون خلاف فيقال أجمع أهل السنة والجماعة على ذلك . )[80][80]

وقال الشيخعبداللهبنمحمدالغنيمان : (إن الإجماع المعتبر هو الإجماع المنضبط، وهو إجماع الصحابة ومن تبعهم من التابعين، لأنهم كانوا محصورين، والكلام المحصور يعلم.

أما بعد أن تفرقوا في البلاد، وكثر العلماء، واتسعت بلاد المسلمين، فالإجماع لا يكون منضبطاً، فمدعي الإجماع بعد ذلك يكون مدعياً لشيء يستحيل الإحاطة به ) ، (ولابد أن يكون الإجماع مستنداً إلى نص من كتاب الله أو سنة رسوله؛ لأنه ليس معنى الإجماع أنه يأتي بشيء جديد، وأنه أصل يشرع به، بل لابد أن يكون مستنداً إلى أصل من كتاب الله وسنة رسوله، واستدل على هذا بقوله جل وعلا: ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )(النساء/115) فسبيل المؤمنين يدخل فيه ما أجمعوا عليه، فهذا أصل يرجع إليه في الإجماع . وهناك نصوص خاصة في كل مسألة يجمع عليها ، ولابد أن يكون فيها شيء يعتمد عليه من كتاب الله وسنة رسوله ، فإن قيل : ما الفائدة  إذاً من الإجماع إذا كان هناك أصل يعتمد عليه الإجماع من الكتاب والسنة ؟ فيقال : الفائدة في هذا أنه لا يجوز النزاع بعد ذلك في الفهم الذي قد ينزع به من ينزع به ، فإذا حصل إجماع السلف فيجب أن يرفع الخلاف ، ولا يكون هناك فهم يخالف هذا الإجماع)إﻫ[81][81]

قال الشيخ ابن عثيمين : (إن أسماء الله وصفاته لا تؤخذ إلا من الكتاب والسنة ) و(لا يمكن أن يوجد إجماع من السلف إلا مبنيا على الكتاب والسنة ، وحينئذ فالمرجع : هو الكتاب والسنة ، لأن الأسماء والصفات العلم بهما من باب العلم بالخبر، ليست أحكاما يدخل فيها القياس حتى نقول : ربما يكون إجماع عن قياس ، ولكنها أمور تدرك بالخبر .) ( ولكن – أحيانا – لا نطلع على دليل الكتاب والسنة ، لكننا نطلع على الإجماع ، فنقول : إن الإجماع هنا لا بد أن يكون مستندا إلى الكتاب والسنة .) ٳھ [82][82]

وقال الشاطبي :(وقد نص الأصوليون أن الإجماع لا يكون إلا عن دليل شرعي) ٳھ[83][83]

 

الثامن : أن الإسم إذا أطلق عليه ، جاز أن يشتق منه المصدر والفعل ، فيُخبر به عنه فعلا ومصدرا ؛ نحو : السميع البصير القدير،  يطلق عليه منه اسم السمع والبصر والقدرة ، ويخبر عنه بالأفعال ، من ذلك نحو:

(قَدْ سَمِعَ اللَّهُ) المجادلة /1 ، (فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ) المرسلات /23، هذا إن كان الفعل متعديا ، فإن كان لازما لم يُخبر عنه به ، نحو : الحي ، بل يُطلق عليه الإسم والمصدر دون الفعل ، فلا يقال حيي .[84][84]

 

قال الشيخ ابن عثيمين : (أسماء الله تعالى إن دلت على وصف متعد ، تضمنت ثلاثة أمور :

ثبوت ذلك الاسم لله عز وجل.

ثبوت الصفة التي تضمنها لله عز وجل.

ثبوت حكمها ومقتضاها.

مثال ذلك : ( السميع ) ، يتضمن إثبات السميع اسماً لله تعالى ، وإثبات السمع صفة له ، وإثبات حكم ذلك ومقتضاه وهو أنه يسمع السر والنجوى كما قال تعالى :( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) المجادلة / 1 ،

وإن دلت على وصف غير متعد ( لازم ) تضمنت أمرين :

ثبوت ذلك الاسم لله عز وجل .

ثبوت الصفة التي تضمنها لله عز وجل .

مثال ذلك :(الحي)، يتضمن إثبات الحي اسماً لله عز وجل وإثبات الحياة صفة له.[85][85]

 

التاسع : أن أفعال الرب تبارك وتعالى صادرة عن أسمائه وصفاته ، وأسماء المخلوقين صادرة عن أفعالهم ، فالرب تبارك وتعالى فِعاله عن كماله . والمخلوق كماله عن فِعاله ، فاشتقت له الأسماء بعد أن كَمُل بالفعل . فالرب تعالى لم يزل كاملا،  فحصلت أفعالُه عن كماله ؛ لأنه كامل بذاته وصفاته ، فأفعاله صادرة عن كماله كَمُل ففعل ، والمخلوق فعل فكَمُل الكمال اللائق به .[86][86]

 

قال الإمام الحسين بن مسعود البغوي : (وأسماء الله تعالى لا تشبه أسماء العباد ، لأن أفعال الله تعالى مشتقة من أسمائه ، وأسماء العباد مشتقة من أفعالهم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يقول الله سبحانه وتعالى : أنا الرحمن خلقت الرحم وشققت لها من اسمي ). [87][87]فبين أن أفعاله مشتقة من أسمائه ، فلا يجوز أن يحدث له اسم بحدوثفعله.)[88][88]

 

العاشر : إحصاء الأسماء الحسنى والعلم بها أصل للعلم بكل معلوم ، فإن المعلومات سواه : إما أن تكون خلقا له تعالى أو أمرا ، إما علم بما كوَّنه ، أو علم بما شرعه ، ومصدر الخلق والأمرعن أسمائه الحسنى ، وهما مرتبطان بها ارتباط المقتضى بمقتضيه ، فالأمر كله مصدره عن أسمائه الحسنى ، وهذا كله حسن ، لا يخرج عن مصالح العباد والرأفة والرحمة بهم والإحسان إليهم بتكميلهم بما أمرهم به ونهاهم عنه ، فأمره كله مصلحة وحكمة ولطف وإحسان ، إذ مصدره أسماؤه الحسنى ، وفعله كله لا يخرج عن العدل والحكمة ، والمصلحة والرحمة ؛ إذ مصدره أسماؤه الحسنى ، فلا تفاوت في خلقه ولا عبث ، ولم يخلق خلقه باطلا ولا سدى ولا عبثا ، وكما أن كل موجود سواه فبإيجاده ، فوجود من سواه تابع لوجوده تبع المفعول المخلوق لخالقه، فكذلك العلم به تعالى أصل للعلم بكل ما سواه ، فالعلم بأسمائه وإحصاؤها أصل لسائر العلوم ، فمن أحصى أسماءه كما ينبغي للمخلوق أحصى جميع العلوم ، إذ إحصاء أسمائه أصل لإحصاء كل معلوم ، لأن المعلومات هي من مقتضاها ومرتبطة بها ، وتأمل صدور الخلق والأمر عن علمه وحكمته تعالى ، ولهذا لا تجد فيها خللا ولا تفاوتا ، لأن الخلل الواقع فيما يأمر به العبد أو يفعله : إما أن يكون لجهله به أو لعدم حكمته .

وأما الرب تعالى فهو العليم الحكيم فلا يلحق فعله ولا أمره خلل ولا تفاوت ولا تناقض .[89][89]


قال ابن القيم الجوزية : ( وكما أن العلم به أجل العلوم وأشرفها ، فهو أصلها كلها ، كما أن كل موجود فهو مستند في وجوده للملك الحق المبين ، ومفتقر إليه في تحقق ذاته ، وكل علم فهو تابع للعلم به ، مفتقر في تحقق ذاته إليه ، فالعلم به أصل كل علم ، كما أنه سبحانه رب كل شيء ومليكه وموجده )[90]
[90].

(وهو أن الرب سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى وأسماؤه متضمنة لصفات كماله وأفعاله ناشئة عن صفاتهفإنه سبحانه لم يستفد كمالا بأفعاله بل له الكمال التام المطلق وفعاله عن كماله ، والمخلوق كماله عن فعاله فإنه فعل فكمل بفعله ، وأسماؤه الحسنى تقتضي آثارها وتستلزمها استلزام المقتضى الموجب لموجبه ومقتضاه فلا بد من ظهور آثارها في الوجود فإن من أسمائه الخلاق المقتضي لوجود الخلق ، ومن أسمائه الرزاق المقتضي لوجود الرزق والمرزوق ، وكذلك الغفار والتواب والحكيم والعفو وكذلك الرحمن الرحيم وكذلك الحكم العدل إلى سائر الأسماء ، ومنها الحكيم المستلزم لظهور حكمته في الوجود ، والوجود متضمن لخلقه وأمره ( أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ )( الأعراف/54) فخلقه وأمره صدرا عن حكمته وعلمه ، وحكمته وعلمه اقتضيا ظهور خلقه وأمره ، فمصدر الخلق والأمر عن هذين المتضمنين لهاتين الصفتين ، ولهذا يقرن سبحانه بينهما عند ذكر إنزال كتابه وعند ذكر ملكه وربوبيته ، إذ هما مصدر الخلق والأمر ولما كان سبحانه كاملا في جميع أوصافه ومن أجلها حكمته كانت عامة التعلق بكل مقدور كما أن علمه عام التعلق بكل معلوم ومشيئته عامة التعلق بكل موجود ، وسمعه وبصره عام التعلق بكل مسموع ومرئي ، فهذا من لوازم صفاته فلا بد أن تكون حكمته عامةالتعلق بكل ما خلقه وقدره وأمر به ونهى عنه وهذا أمر ذاتي للصفة يمتنع تخلفه وانفكاكه عنها كما يمتنع تخلف الصفة نفسها وانفكاكها عنه .... ) [91][91]

قلت : خلاصة القول ، إن احصاء الاسماء الحسنى والعلم بها أصل للعلم بكل معلوم ، لأن العلوم كلها راجعة إما الى الخلق وإما الى الامر ، وهذان صادران عن اسمائه سبحانه وتعالى.

 

الحاديعشر:  أنأسماءهكلهاحسنىليسفيهااسمغيرذلكأصلا،وقدتقدمأنمنأسمائهمايطلقعليهباعتبارالفعل،نحو : الخالقوالرزاقوالمحييوالمميت،وهذايدلعلىأنأفعالهكلهاخيراتمحضلاشرفيها،لأنهلوفعلالشرلاشْتُقَلهمنهاسم،ولمتكنأسماؤهكلهاحسنى،وهذاباطل،فالشرليسإليهفكمالايدخلفيصفاتهولايلحقذاتهلايدخلفيأفعاله،فالشرليسإليه،لايضافإليهفعلاولاوصفاوإنمايدخلفيمفعولاته،وفرقبينالفعلوالمفعول،فالشرقائمبمفعولهالمباينله،لابفعلهالذيهوفعله،فتأملهذافإنهخفيعلىكثيرمنالمتكلمين،وزلتفيهأقدام،وضلتفيهأفهام،وهدىاللهأهلالحقلمااختلفوافيهبإذنه،واللهيهديمنيشاءإلىصراطمستقيم .[92][92]

 

قال ابن القيم : ( والشر ليس إليك ، أي لا يضاف إليك ولا ينسب إليك ولا يصدر منك، فإن أسماءه كلها حسنى وصفاته كلها كمال وأفعاله كلها فضل وعدل وحكمة ورحمة ومصلحة  ، فبأي وجه ينسب الشر إليه سبحانه وتعالى ، فكل ما يأتي منه فله عليه الحمد والشكر وله فيه النعمة والفضل. )[93][93]

قال الشيخ محمد بن عبد الرحمن الخميس : ( الخير والشر كلاهما مخلوقان مقدَّران لله تعالى ، لا يكون شيء منهما إلا بإذنه ، فهو خالقهما جميعا ، وهذا قول أهل السنة ، غير أن الشر لا يضاف إليه على انفراد لما فيه من توهُّم النقص والعيب .) [94][94]

وبالجملة فالذي يضاف إلى الله تعالى كله خير وحكمة ومصلحة وعدل ، والشر ليس اليه .[95][95]

 

 

 

 

 

الثاني عشر : في بيان مراتب إحصاء أسمائه تبارك وتعالى التي من أحصاها دخل الجنة ، وهذا هو قطب السعادة ومدار النجاة والفلاح .
المرتبة الأولى : إحصاء ألفاظها وعددها .
المرتبة الثانية : فهم معانيها ومدلولها .
المرتبة الثالثة : دعاؤه بها كما قال تعالى : (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) الأعراف /180 .

وهو مرتبتان :

إحداهما : دعاء ثناء وعبادة .

والثاني : دعاء طلب ومسألة .

فلا يثنى عليه إلا بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ، ولذلك لا يُسأل إلا بها ، فلا يقال : يا موجود ، أو يا شيء، أو يا ذات اغفر لي وارحمني !!  بل يُسأل في كل مطلوب باسم يكون مقتضيا لذلك المطلوب ، فيكون السائل متوسلا إليه بذلك الإسم . ومن تأمل أدعية الرسل ، ولا سيما خاتمهم وإمامهم صلوات الله وسلامه عليهم وجدها مطابقة لهذا .

وهذه العبارة أولى من عبارة من قال : يتخلق بأسماء الله ؛ فإنها ليست بعبارة سديدة ، وهي منتزعة من قول الفلاسفة بالتشبه بالإله على قدر الطاقة ، وأحسن منها : عبارة أبي الحكم بن بَرَّجان [96][96]، وهي : التعبد ، وأحسن منها : العبارة المطابقة للقرآن ، وهي الدعاء المتضمن للتعبد والسؤال ، فمراتبها أربعة : أشدها إنكارا عبارة الفلاسفة ، وهي التشبه . وأحسن منها عبارة من قال : التخلق ، وأحسن منها عبارة من قال : التعبد ، وأحسن من الجميع : الدعاء ، وهي لفظ القرآن.[97][97]

 

 

 

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في ( سلسلة لقاءات الباب المفتوح/17):-

( ومعنى إحصائها : أن يعرفها لفظاً ومعنى ، ويتعبد لله بها ، ليس إحصاؤها أن تتغيبها فقط ، لابد أن تحفظها وتعرف معناها وتتعبد لله بها ، أي : بما تقتضيه هذه الأسماء .

فمثلاً: إذا علمت أن الله ( غفور ) فإنك تتعرض للمغفرة فتستغفر، وتفعل العبادات التي تكون سبباً لغفران الذنوب . وإذا علمت بأن الله سبحانه وتعالى ( عليم ) لا تفعل شيئاً يبغضه ؛ لأنه عالم بك.

وإذا علمت أنه يراك فإن مقتضى هذا الإيمان بأن الله يراك ألا تعمل عملاً سيئاً ؛ لأنه يراك ولو كنت في أقصى بيتك . وإذا علمت أن الله ( سميع ) فإنك لا تُسمِع الله شيئاً يغضبه .

فإحصاؤها ليس بمجرد أن تحفظها ؛ لأن هذا سهل لكنَّ إحصاءها معرفتها لفظاً ، أي : حفظها، ومعرفة معناها، والتعبد لله بها ، فالإنسان إذا فعل هذا أحصاها لفظاً ، وفهمها معنى ، وتعبد الله بها فهذا هو الدين ، ومن دان لله بهذا أدخله الله الجنة ) . إھ[98][98]

وإعلم أن في مسألة التخلق بأخلاق الله تعالى أحاديث لا تصح منها :

1/ ( إن لله تعالى مائة خلق وسبعة عشر من أتاه بخلق منها دخل الجنة ) .

رواه الطيالسي والبزار والترمذي الحكيم والبيهقي في الشعب والطبراني في الأوسط وأبو يعلى . وقال الألباني ( ضعيف جدا ) , وانظر حديث رقم : 1954 في ضعيف الجامع .

2/ ( السخاء خلق الله الأعظم ) .

رواه الأصفهاني وابن النجار . وقال الألباني : ( ضعيف ) انظر حديث رقم : 3339 في ضعيف الجامع .

3/ ( تخلقوا بأخلاق الله ) .

قال الألباني في السلسلة الضعيفة / 2822 : ( لا أصل له , أورده السيوطي في " تأييد الحقيقة العلية " (89/1) دون عزو . وتأولوه بأن معناه اتصفوا بالصفات المحمودة وتنزهوا عن الصفات المذمومة ، وليس معناه أن تأخذ من صفات القدم شيئا . ثم رأيت الحديث في " نقض التأسيس " لابن تيمية ذكره في فصل عقده للكلام على معنى قوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله خلق آدم على صورته " .) إھ .

وفي شرح الطحاوية لابن أبي العز الحنفي بتحقيق ( التركي ، الارناؤوط ) / ص181

قالا : ( لا يعرف له اصل في شيء من كتب السنة ، وذكره السيوطي في – تأييد الحقيقة العلية – ورقة 89/1، ولم يعزه لاحد .) إھ

4/ ( حسن الخلق خلق الله الأعظم ) .

رواه الطبراني في المعجم الكبير عن عمار بن ياسر .

قال الألباني : ( موضوع ) ، انظر حديث رقم : 2715 في ضعيف الجامع .

وقال الحافظ العراقي في تخريج الأحياء ( ضعيف ) .

5/ ( إن لله ثلاثمائة خلق من لقيه بخلق منها مع التوحيد دخل الجنة ) .

قال الشوكاني في الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة / الحديث 17 : ( وروى بألفاظ قال السخاوي والكل ضعيف ) .

وقال الحافظ العراقي في تخريج الأحياء : (4196 - حديث " إن لله تعالى ثلاثمائة خلق من لقيه بخلق منها مع التوحيد دخل الجنة " فقال أبو بكر : يا رسول الله هل في منها خلق فقال " كلها فيك يا أبا بكر وحبها إلى الله تعالى السخاء " أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث أنس مرفوعا عن الله " خلقت بضعة عشر وثلاثمائة خلق من جاء بخلق منها مع شهادة أن لا إله إلا الله دخل الجنة " ومن حديث ابن عباس " الإسلام ثلاثمائة شريعة وثلاثة عشر شريعة وفيه وفي الكبير من رواية المغيرة بن عبد الرحمن بن عبيد عن أبيه عن جده نحوه بلفظ " الإيمان وللبزار من حديث عثمان بن عفان " إن الله تعالى مائة وسبعة عشر شريعة . . . الحديث " وليس فيها كلها تعرض لسؤال أبي بكر وجوابه ، وكلها ضعيفة . [99][99]

 

الثالث عشر : اختلف النظار في الأسماء التي تطلق على الله وعلى العباد ، كالحي والسميع والبصير والعليم والقدير والملك ونحوها ، فقالت طائفة من المتكلمين :

هي حقيقة في العبد ، مجاز في الرب ، وهذا قول غلاة الجهمية وهو أخبث الأقوال وأشدها فسادا .الثاني مقابله وهو : أنها حقيقة في الرب مجاز في العبد،وهذا قول أبي العباس الناشئ.[100][100]
الثالث : أنها حقيقة فيهما .

وهذا قول الأكثرين ، وهو الصواب . واختلاف الحقيقتين فيهما لا يخرجها عن كونها حقيقة فيهما ، وللرب تعالى منها ما يليق بجلاله ، وللعبد منها ما يليق به . وليس هذا موضع التعرض لمأخذ هذه الأقوال ، وإبطال باطلها وتصحيح صحيحها ، فإن الغرض الإشارة إلى أمور ينبغي معرفتها في هذا الباب ، ولو كان المقصود بسطها لاستدعت سفرين أو أكثر. [101][101]

 

قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (اتفاق الأسماء لا يوجب تماثل المسميات :-

وإذا كان من المعلوم بالضرورة أن في الوجود ما هو قديم واجب بنفسه، وما هو مُحْدَث ممكن، يقبل الوجود والعدم، فمعلوم أن هذا موجود وهذا موجود ولا يلزم من اتفاقهما في مسمى (الوجود) أن يكون وجود هذا مثل وجود هذا، بل وجود هذا يخصّه ووجود هذا يخصه، واتفاقهما في اسم عام لا يقتضي تماثلهما في مسمى ذلك الاسم عند الاضافة والتقييد والتخصيص ولا في غيره، فلا يقول عاقل - إذا قيل: إن العرش شيء موجود وإن البعوض شيء موجود - إن هذا مثل هذا لاتفاقهما في مسمى (الشيء)و (الوجود) ، لأنه ليس في الخارج شيء موجود غيرهما يشتركان فيه، بل الذهن يأخذ معنى مشتركا كليا هو مسمى الاسم المطلق، وإذا قيل: هذا موجود وهذا موجود، فوجود كلّ منهما يخصه لا يشركه فيه غيره، مع أن الاسم حقيقة في كل منهما.

أسماء الله وصفاته مختصة به وإن اتفقت مع ما لغيره عند الإطلاق :-

ولهذا سمى الله نفسه بأسماء وسمّى صفاته بأسماء، فكانت تلك الأسماء مختصة به إذا أضيفت إليه لا يشركه فيها غيره، وسمّىبعض مخلوقاته بأسماء مختصة بهم مضافة إليهم توافق تلك الأسماء إذا قطعت عن الإضافة والتخصيص، ولم يلزم من اتفاق الاسمين تماثل مسماهما واتحاده عند الإطلاق والتجريد عن الإضافة والتخصيص، لا اتفاقهما، ولا تماثل المسمى عند الإضافة والتخصيص، فضلا عن أن يتحد مسماهما عند الإضافة والتخصيص.

فقد سمّى الله نفسه حيًّا، فقال: (اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) وسمّى بعض عباده حيًا، فقال: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ) وليس هذا الحيّ مثل هذا الحي، لأن قوله (الْحَيُّ) اسم لله مختص به، وقوله (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ) اسم للحي المخلوق مختص به، وإنمايتفقان إذا أُطلقا وجُرِّدا عن التخصيص، ولكن ليس للمطلق مسمّى موجود في الخارج، ولكن العقل يفهم من المطلق قدرًا مشتركا بين المسميين، وعند الاختصاص يقيّد ذلك بما يتميز به الخالق عن المخلوق، والمخلوق عن الخالق.

ولا بدّ من هذا في جميع أسماء الله وصفاته، يُفهم منها ما دلّ عليه الاسم بالمواطأة والاتفاق، وما دلّ عليه بالإضافة والاختصاص، المانعة من مشاركة المخلوق للخالق في شيء من خصائصه سبحانه وتعالى.

وكذلك سمّى الله نفسه عليمًا حليمًا، وسمّى بعض عباده عليمًا، فقال: (وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ) يعني إسحق، وسمّى آخر حليمًا، فقال: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلاَمٍ حَلِيمٍ) يعني إسماعيل، وليس العليم كالعليم، ولا الحليم كالحليم.

وسمّى نفسه سميعًا بصيرًا، فقال: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا) وسمّى بعض خلقه سميعًا بصيرًا فقال: (إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِننُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا) وليس السميع كالسميع، ولا البصير كالبصير.

وسمّى نفسه بالرءوف الرحيم، فقال: (إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ) وسمّى بعض عباده بالرءوف الرحيم فقال: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) وليس الرءوف كالرءوف، ولا الرحيم كالرحيم.

وسمى نفسه بالملك، فقال: (الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ) وسمّى بعض عباده بالملك، فقال: (وَكَانَ وَرَاءَهُم مَّلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا) ، (وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ) وليس الملك كالملك.

وسمى نفسه بالمؤمن، فقال: (الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ)وسمّى بعض عباده بالمؤمن، فقال: (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَن كَانَ فَاسِقًا لاَّ يَسْتَوُونَ) وليس المؤمن كالمؤمن.

وسمّى نفسه بالعزيز، فقال: (الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) ، وسمّى بعض عباده بالعزيز، فقال: (قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ) وليس العزيز كالعزيز.

وسمّى نفسه الجبار المتكبر، وسمّى بعض خلقه بالجبار المتكبر، فقال: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) وليس الجبار كالجبار، ولا المتكبر كالمتكبر.

ونظائر هذا متعددة.) [102][102]

 

الرابع عشر : أن الإسم والصفة من هذا النوع له ثلاث اعتبارات :
اعتبار من حيث هو ، مع قطع النظر عن تقييده بالرب أو العبد .
الاعتبار الثاني : اعتباره مضافا إلى الرب مختصا به .

الثالث : اعتباره مضافا إلى العبد مقيدا به .

فما لزم الإسم لذاته وحقيقته ، كان ثابتا للرب والعبد ، وللرب منه ما يليق بكماله ، وللعبد منه ما يليق به .

وهذا كاسم السميع الذي يلزمه إدراك المسموعات ، والبصير الذي يلزمه رؤية المُبْصَرات ، والعليم والقدير وسائر الأسماء ، فإن شرط صحة إطلاقها : حصول معانيها وحقائقها للموصوف بها .

فما لزم هذه الأسماء لذاتها ؛ فإثباته للرب تعالى لا محذور فيه بوجه ، بل تثبت له على وجه لا يماثل فيه خلقه ولا يشابههم ، فمن نفاه عنه لإطلاقه على المخلوق ألحد في أسمائه وجحد صفات كماله . ومن أثبته له على وجه يماثل فيه خلقه فقد شبهه بخلقه ، ومن شبه الله بخلقه فقد كفر ، ومن أثبته له على وجه لا يماثل فيه خلقه ، بل كما يليق بجلاله وعظمته ؛ فقد بريء من فَرْث التشبيه ودَمِ التعطيل وهذا طريق أهل السنة .

وما لزم الصفة لإضافتها إلى العبد وجب نفيه عن الله ، كما يلزم حياة العبد من النوم والسِّنة والحاجة إلى الغذاء ونحو ذلك . وكذلك ما يلزم إرادته من حركة نفسه في جلب ما ينتفع به ودفع ما يتضرر به. وكذلك ما يلزم علوه من احتياجه إلى ما هو عال عليه، وكونه محمولا به مفتقرا إليه محاطا به ، كل هذا يجب نفيه عن القدوس السلام تبارك وتعالى .

وما لزم صفة من جهة اختصاصه تعالى بها ؛ فإنه لا يثبت للمخلوق بوجه ، كعلمه الذي يلزمه القدم والوجوب والإحاطة بكل معلوم ، وقدرته وإرادته وسائر صفاته ، فإن ما يختص به منها لا يمكن إثباته للمخلوق ، فإذا أحطت بهذه القاعدة خُبْراً وعقلتها كما ينبغي خلصت من الآفتين اللتين هما أصل بلاء المتكلمين : آفة التعطيل ، وآفة التشبيه ، فإنك إذا وفيت هذا المقام حقه من التصور أثبت لله الأسماء الحسنى والصفات العلى حقيقة ، فخلصت من التعطيل ، ونفيت عنها خصائص المخلوقين ومشابهتهم ، فخلصت من التشبيه ، فتدبر هذا الموضع واجعله جُنَّتك التي ترجع إليها في هذا الباب، والله الموفق للصواب . [103][103]

 

قال ابن القيم : (أنهذهالألفاظالتيتستعملفيحقالخالقوالمخلوقلهاثلاثاعتبارات:

أحدها: أنتكونمقيدةبالخالق،كسمعاللهوبصرهووجههويديهواستوائه،ونزولهوعلمهوقدرتهوحياته،الثاني: أنتكونمقيدةبالمخلوقكيدالإنسانووجههويديهواستوائه،

الثالث: أنتجردعنكلاالإضافتينوتوجدمطلقة،فإثباتكملهاحقيقة،إماأنيكونبالاعتبارالأولأوالثانيأوالثالث،إذلارابعهناك،فإنجعلتمجهةكونهاحقيقةتقيدهابالخالقلزمأنتكونفيالمخلوقمجازا،وهذامذهبقدصارإليهأبوالعباسالناشيووافقهعليهجماعة،وإنجعلتمجهةكونهاحقيقةتقيدهابالمخلوقلزمأنتكونفيالخالقمجازا،وهذامذهبقدصارإليهإمامالمعطلةجهمبنصفوان،ودرجأصحابهعلىأثره،وإنجعلتمجهةكونهاحقيقةالقدرالمشترك،ولميدخلالقدرالمميزفيموضعهالزمأنيكونحقيقةفيالخالق،وهذاقولعامةالعقلاء،وهوالصواب،وإنفرقتمبينبعضالألفاظوبعض،وقعتمفيالتناقضوالتحكمالمحض ) ٳھ. [104][104]

قلت : إعلم ان للصفة ثلاث اعتبارات :

1/ اعتبار للصفة من حيث هي بقطع النظر عن اضافتها الى الرب أو العبد ، أو بمعنى آخر الوصف عند التجرد من الاضافة ، مثل السمع ، البصر ، العلم . فلازم الصفة عند الاطلاق إثبات ما تدل عليه من معنى، فالسمع إدراك المسموعات ، والبصر رؤية المبصرات.

2/ اعتبار الصفة من حيث إضافتها الى الرب عز وجل ، سمع الله ، بصر الله ، علم الله تبارك وتعالى . فإذا أضيف السمع الى الله تعالى فهو ادراك المسموعات ، وإذا أضيف البصر الى الله تعالى فهو رؤية المبصرات، وكل صفة تضاف الى الله تعالى فاضافتها على وجه مختص به لائق بجلاله وكماله سبحانه وتعالى.

3/ اعتبارالصفةمنحيثإضافتهاالىالعبد،سمعالعبد،بصرالعبد،علمالعبد . فإذاأضيفالسمعالىالعبد فهوادراكالمسموعات،وإذاأضيفالبصرالىالعبدفهورؤيةالمبصرات،وكلصفةتضافالىالعبدصارتمختصةبهلائقةبضعفه وفقره.

فهذه الاعتبارات الثلاثة للصفة ، وكل إعتبار له ما يقتضيه من لوازم ، دون خلط فيها .

 

الخامس عشر : أن الصفة متى قامت بموصوف لزمها أمور أربعة : أمران لفظيان وأمران معنويان .

فاللفظيان : ثبوتي وسلبي ، فالثبوتي : أن يشتق للموصوف منها اسم ، والسلبي : أن يمتنع الاشتقاق لغيره.

والمعنويان : ثبوتي وسلبي ، فالثبوتي : أن يعود حكمها إلى الموصوف ويخبر بها عنه ، والسلبي : أن لا يعود حكمها إلى غيره ، ولا يكون خبرا عنه .

وهذه قاعدة عظيمة في معرفة الأسماء والصفات ، فلنذكر من ذلك مثالا واحدا وهي : صفة الكلام ، فإنها إذا قامت بمحل كان هو المتكلم دون من لم تقم به ، وأخبر عنه بها ، وعاد حكمها إليه دون غيره ، فيقال : قال وأمر ونهى ونادى وناجى وأخبر وخاطب وتكلم وكلم ، ونحو ذلك ، وامتنعت هذه الأحكام لغيره ، فيستدل بهذه الأحكام والأسماء على قيام الصفة به وسلبها عن غيره وعلى عدم قيامها به ، وهذا هو أصل السنة الذي ردوا به على المعتزلة والجهمية ، وهو من أصح الأصول طردا وعكسا .[105][105]

 

قلت : الصفة اذا قامت بموصوف لزمها أمور أربع : أمران لفظيان (ثبوتي وسلبي) ، وأمران معنويان (ثبوتيوسلبي).

مثال ذلك :العلم صفة، إذا أضيفت إلى الله ، قلنا: علم الله تعالى ،والإضافة تقتضي التخصيص، فلزم من ذلك أمور أربعة: أمران يتعلقان باللفظ، وأمران يتعلقان بالمعنى، وكل منهما ثبوتي وسلبي.
اللفظ الثبوتي: أن يشتق للموصوف منه اسم، فنقول: الله عليم، والمعنىالثبوتي يعود حكمها إلى الموصوف ويخبر بها عنه، فنقول: الله سبحانه وتعالى يعلم، يعلم ما كان وما سيكون وما لم يكن لو كان كيف يكون، فنثبت الاسم العليم ونثبت الحكم.
فهذان أمران ثبوتيان نثبتهما: أحدهما يتعلق باللفظ فنثبت منه اسماً، والآخر يتعلق بالمعنى، فنثبت منه حكم. وأما الأمران السلبيان فأحدهما يتعلق باللفظ، والآخر يتعلق بالمعنى، الذي يتعلق باللفظ السلبيوهو أن يمتنع إشتقاق اسماًلغيرهمن الصفة التي قامت به، فلا يقال فلان عليم وزيد عليم.
أما الذي يتعلق بالمعنى السلبي وهو أن لا يعود حكمها إلى غيره، وإنما حكمها يعود له سبحانه، فمثلا العلم القائم بالله تعالىلا يقال في بيانه أو التعبير عنه : علم فلان وعلم زيد، وإنما المراد به علم الربعز وجل ؛ لأنه يمتنع أن يضاف حكم الصفة المضافة إلى الله إلى غيره سبحانه وتعالى.

وهذا أصح الاصول طرداً وعكساً ، والطرد: هوالتلازمفيالثبوت،والعكس: هوالتلازمفيالانتفاءالذيهوالسلب.

 

السادس عشر : أن الأسماء الحسنى لا تدخل تحت حصر ولا تُحَد بعدد ، فإن لله تعالى أسماء وصفات استأثر بها في علم الغيب عنده ، لا يعلمها ملك مقرب ولا نبي مرسل ، كما في الحديث الصحيح ( أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ) فجعل أسماءه ثلاثة أقسام :

قسم : سمى به نفسه ، فأظهره لمن شاء من ملائكته أو غيرهم ، ولم ينزل به كتابه . وقسم : أنزل به كتابه فتعرف به إلى عباده .

وقسم : استأثر به في علم غيبه ، فلم يُطْلع عليه أحد من خلقه ، ولهذا قال : ( استأثرت به ) أي انفردت بعلمه ، وليس المراد انفراده بالتسمي به ؛ لأن هذا الإنفراد ثابت في الأسماء التي أنزل بها كتابه .

ومن هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة : ( فيفتح علي من محامده بما لا أحسنه الآن )[106][106] وتلك المحامد تفي بأسمائه وصفاته تبارك وتعالى ومنه قوله  صلى الله عليه وسلم : ( لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ). وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة ) فالكلام جملة واحدة . وقوله : ( ومن أحصاها دخل الجنة ) صفة لا خبر مستقبل .

والمعنى : له أسماء متعددة ، من شأنها أن من أحصاها دخل الجنة . وهذا لا ينفي أن يكون له أسماء غيرها. وهذا كما تقول : لفلان مئة مملوك قد أعدهم للجهاد ، فلا ينفي هذا أن يكون له مماليك سواهم معدون لغير الجهاد ، وهذا لا خلاف بين العلماء فيه .[107][107]

 

 

 

وقال ابن القيم رحمه الله : ( ( إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاهادخل الجنة ) لا ينفي أن يكون له غيرها ، والكلام جملة واحدة: أي له أسماء موصوفة بهذه الصفة، كما يقال: لفلان مئة عبد أعدهم للتجارة وله مئة فرس أعدهم للجهاد وهذا قول الجمهور، وخالفهم ابن حزم فزعم أن أسماءه تنحصرفي هذا العدد .).[108][108]

قال الشيخ ابن عثيمين: (أسماء الله تعالى غير محصورة بعدد معين لقوله ( صلى الله عليه وسلم ) في الحديث المشهور : ( أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت  به في علم الغيب عندك ) [109][109]وما إستاثره الله عز وجل به في علم الغيب لا يمكن لأحد حصره أو الإحاطة  به .

فأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة ) [110][110]، فلا يدل على حصر الأسماء بهذا العدد ، ولو كان المراد الحصر لكانت العبارة  ( أن أسماء الله تسعة وتسعون اسما من أحصاها دخل الجنة ) . أو نحو ذلك .

إذن معنى الحديث : أن هذا العدد من شأنه أن من أحصاه دخل الجنة ، وعلى هذا فيكون قوله : (من أحصاها دخل الجنة ) جملة مكملة لما قبلها وليست مستقلة ،ونظير هذا أن تقول : عندي مائة درهم أعددتها للصّدقة ، فإنه لا يمنع أن  يكون عندك دراهم أخرى لم تعدها للصدقة). [111][111]

قال الحافظ العسقلاني في تلخيص الحبير : (ظاهر كلام ابن كَجٍّ حصر أسماء الله في العدد المذكور, وبه جزم ابن حزم, ونوزع, ويدل على صحة ما خالفه حديث ابن مسعود في الدعاء الذي فيه: ( أسألك بكلاسم سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك, أو علمته أحدا من خلقك, أو استأثرت به في علم الغيب عندك....) , الحديث, وقد صححه ابن حبان وغيره.

ويدل على عدم الحصر أيضا اختلاف الأحاديث الواردة في سردها, وثبوت أسماء غير ما ذكرته في الأحاديث الصحيحة .) إﻫ[112][112]

 

وقال الدكتور عبد الرزاق بن عبد المحسن العباد البدر: ( فوائد مهمة:

( الأولى: إن أسماء الله غير محصورة في عدد معين ، وعليه فإن جمع بعض أهل العلم لتسعة وتسعين اسما من أسماء الله الحسنى المذكورة في الكتاب والسنة لا يعني أنهم يرون حصرها في تلك الأسماء التي ذكروها ، وإنمامرادهم تقريب هذه الأسماء إلى الراغبين في حفظها وفهمها والعمل بما تقتضيه ، حيث قال صلى الله عليه وسلم: ( إن لله تسعة وتسعين اسما , مائة إلا واحدا , من أحصاها دخل الجنة ) .

الثانية: إن أسماء الله الحسنى المذكورة في الكتاب والسنة أكثر من تسعة وتسعين اسما كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله  / الفتاوى (22 / 482). .

وعليه: فإن من جمع من أهل العلم تسعة وتسعين اسما من أسماء الله وجمع غيره أسماء أخرى ، فوافقه الأول في بعضها وخالفه في بعض لا يعني ذلك أن ما اختلفا فيه بعضه ليس من أسماء الله لتجاوز ذلك التسعة والتسعين ، بل قد يكون ما جمعاه كله من أسماء الله وإن جاوز التسعة والتسعين , وعلى كل فالعبرة في صحة ذلك الاسم أو عدمها قيام الدليل عليه من الكتاب والسنة .) [113][113]

 

السابع عشر : أن أسماءه تعالى منها ما يُطلق عليه مفردا ومقترنا بغيره وهو غالب الأسماء ، كالقدير والسميع والبصير والعزيز والحكيم ، وهذا يسوغ أن يُدعى به مفردا ومقترنا بغيره .، فتقول : يا عزيز يا حكيم ،يا غفور يا رحيم ، وأن يفرد كل اسم ، وكذلك في الثناء عليه والخبر عنه به يسوغ لك الإفراد والجمع .
ومنها ما لا يطلق عليه بمفرده ، بل مقرونا بمقابله ؛ كالمانع والضار والمنتقم ، فلا يجوز أن يفرد هذا عن مقابله ، فإنه مقرون بالمعطي والنافع والعفو ، فهو المعطي المانع ، الضار النافع ، العفو المنتقم ، المعز المذل[114]
[114]؛ لأن الكمال في اقتران كل اسم من هذه بما يقابله ؛ لأنه يراد به : أنه المنفرد بالربوبية وتدبير الخلق والتصرف فيهم : عطاء ومنعا ، ونفعا وضرا ، وعفوا وانتقاما . وأما أن يثنى عليه بمجرد المنع والانتقام والإضرار ؛ فلا يسوغ . فهذه الأسماء المزدوجة تجري الأسماء منها مجرى الإسم الواحد الذي يمتنع فصل بعض حروفه عن بعض ، فهي وإن تعددت جارية مجرى الإسم الواحد ، ولذلك لم تجيء مفردة ولم تطلق عليه إلا مقترنة فاعلمه .
فلو قلت : يا مذل يا ضار يا مانع ، أو أخبرت بذلك ؛ لم تكن مُثنيا عليه ولا حامدا له حتى تذكر مقابلها .[115]
[115]

 

( إن من أسمائه سبحانه وتعالى :

ما يطلق عليه مفرداً ومقترناً بغيره وهو غالبها كالسميع والبصير ونحوهما ، فإذا اقترنت صفة كمال بصفة كمال أخرى نشأ عن ذلك كمال آخر غير الكمال الذي يدل عليه الاسم الواحد والصفة الواحدة مثال ذلك ( الغفور الرحيم ) فالمغفرة صفة كمال والرحمة صفة كمال آخر واقتران مغفرته برحمته كمال ثالث فيستحق سبحانه الثناء على مغفرته والثناء على رحمته والثناء على اجتماعهما ، والحُسْنُ في أسماء الله تعالى يكون باعتبار كل اسم على انفراده ، ويكون باعتبار جمعه إلى غيره ، فيحصل بجمع الاسم إلى الآخر كمال فوق كمال . لذا يسوغ أن يُدعى ويُثنى عليه ويُخبَر عنه مفرداً ومقروناً .

‏‏ومنها ما لا يطلق إلا مقروناً بغيره ( وهي الأسماء المزدوجة أو الأسماء ‏المقترنة ) ، مثل إسمي ( القابض ، الباسط ) من قول رسول الله صلى الله عليه وآله ‏وسلم : ( إن الله تعالىهو : الخالق القابض الباسط الرازق المسعر وإني لأرجو أن ألقى الله ولا يطلبني ‏أحد ‏بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال ) [116][116]، وإسْمَي ( المقدم ، المؤخر ) من قول رسول الله صلى ‏الله عليه وآله وسلم : (رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي وَجَهْلِي وَإِسْرَافِي فِي أَمْرِي كُلِّهِ وَمَا أَنْتَ ‏أَعْلَمُ بِهِ مِنِّي اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي خَطَايَايَ وَعَمْدِي وَجَهْلِي وَهَزْلِي وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدِي اللَّهُمَّ اغْفِرْ ‏لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ وَمَا أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ أَنْتَ الْمُقَدِّمُ وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ ‏شَيْءٍ قَدِيرٌ ) [117][117]، فهذه الأسماء تعد اسمين ، لأن كل اسم منها يحمل معنى غير ‏الآخر ، لكنها تكون كالاسم الواحد في المعنى ، فلا يصح إفراد اسم عن الآخر في الذكر ‏، لأن الاسمين إذا ذكرا معاً دل على عموم قدرته وتدبيره ، وأنه لا رب غيره ، وإذا ذكر ‏أحدهما لم يكن فيه هذا المدح ، والله له الأسماء الحسنى ، ليس له مثل السوء قط .)[118][118]

ولكن لو أطلق عليه من ذلك اسم مدح لم يمتنع فيسوغ أن يقال : الباسط من دون القابض ‏، فإن اسم ( الباسط ) يستلزم المدح والثناء المطلق ، بخلاف القابض .‏

قال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ : (هذه الأسماء تطلق على وجه الكمال وتكون ‏حسنى مع قرينتها ، لهذا تجد أنها ملازمة للاسم القرين . لهذا نقول الباسط صار كمالا ‏بالقابض ، فيطلق منفردا لأن كماله باسم الله القابض ، والقابض أيضا هو كمال باسم الله ‏الباسط لكنه لا يُعَبَّدُ له كما يُعَبَّدُ للباسط ) .[119][119]

والحسن في أسماء الله تعالى ، يكون باعتبار كل اسم على انفراده ، ويكون باعتبار جمعه إلى غيره فيحصل بجمع الاسم إلى الآخر كمال فوق كمال .

 

الثامن عشر : أن الصفات ثلاثة أنواع :

صفات كمال ،وصفات نقص ، وصفات لا تقتضي كمالا ولا نقصا ، وإن كانت القسمة التقديرية تقتضي قسما رابعا وهو : ما يكون كمالا ونقصا باعتبارين. والرب تعالى منزه عن الأقسام الثلاثة وموصوف بالقسم الأول، فصفاته كلها صفات كمال محض ، فهو موصوف من الصفات بأكملها وله من الكمال أكمله . وهكذا أسماؤه الدالة على صفاته هي أحسن الأسماء وأكملها ، فليس في الأسماء أحسن منها ، ولا يقوم غيرها مقامها ولا يؤدي معناها ، وتفسير الإسم منها بغيره ليس تفسيرا بمرادف محض ، بل هو على سبيل التقريب والتفهيم .

وإذا عرفت هذا ؛ فله من كل صفة كمال أحسن اسم وأكمله وأتمه معنى ، وأبعده وأنزهه عن شائبة عيب أو نقص ، فله من صفة الإدراكات : العليم الخبير ، دون العاقل الفقيه ، والسميع البصير دون السامع والباصر والناظر .

ومن صفات الإحسان البر الرحيم الودود ، دون : الرفيق [120][120]والشفوق ونحوهما . وكذلك العلي العظيم ، دون: الرفيع الشريف . وكذلك الكريم ، دون : السخي ، والخالق البارئ المصور ، دون : الفاعل الصانع المشكل . والغفور العفو ، دون الصفوح الساتر . وكذلك سائر أسمائه تعالى يجري على نفسه منها أكملها وأحسنها وما لا يقوم غيره مقامه ، فتأمل ذلك ، فأسماؤه أحسن الأسماء ، كما أن صفاته أكمل الصفات ، فلا تعدل عما سمى به نفسه إلى غيره ، كما لا تتجاوز ما وصف به نفسه ، ووصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ، إلى ما وصفه به المبطلون والمعطلون .[121][121]


قلت : فكللفظ يقتضي التعظيم والكمال لا يكون إلا له سبحانه وتعالى ، فان الوصف الذي دل عليه الاسم غاية في الجمال والكمال .

قال الشيخ ابن عثيمين : ( كل ما أثبت الله لنفسه من الصفات، فهو صفة كمال ولا يمكن أبداً أن يكون فيما أثبته الله لنفسه من الصفات نقص ) و ( الصفات تنقسم إلى ثلاثة أقسام: صفة كمالمطلق، وصفة كمال مقيد، وصفة نقص مطلق.

أما صفة الكمال على الإطلاق، فهي ثابتة لله عز وجل، كالمتكلم، والفعال لما يريد، والقادر.. ونحو ذلك.

وأما صفة الكمال بقيد، فهذه لا يوصف الله بها على الإطلاق إلا مقيداً، مثل: المكر، والخداع، والاستهزاء... وما أشبه ذلك، فهذه صفات كمال بقيد، إذا كانت في مقابلة من يفعلون ذلك، فهي كمال، وإن ذكرت مطلقة، فلا تصح بالنسبة لله عز وجل، ولهذا لا يصح إطلاق وصفه بالماكر أو المستهزئ أو الخادع، بل تقيد، فنقول: ماكر بالماكرين، مستهزئ بالمنافقين، خادع للمنافقين، كائد للكافرين، فتقيدها ؛ لأنها لم تأت إلا مقيدة.

وأما صفة النقص على الإطلاق، فهذه لا يوصف الله بها بأي حال من الأحوال، كالعاجز ، والخائن ، والأعمى ، والأصم، لأنها نقص على الإطلاق، فلا يوصف الله بها ، وانظر إلى الفرق بين خادع وخائن، قال الله تعالى: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) (النساء/142) ، فأثبت خداعه لمن خادعه ، لكن قال في الخيانة: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ)(الأنفال/71) ولم يقل: فخانهم، لأنالخيانة خداع في مقام الائتمان، والخداع في مقام الائتمان نقص ، وليس فيه مدح أبداً.

فإذاً، صفات النقص منفية عن الله مطلقاً.

والصفات المأخوذة من الأسماء هي كمال بكل حال ، ويكونالله عز وجل قد أتصف بمدلولها، فالسمع صفة كمال دل عليها اسمه السميع، فكل صفة دلت عليها الأسماء، فهي صفة كمال مثبته لله على سبيل الإطلاق، وهذه تجعلها قسماً منفصلاً، لأنه ليس فيها تفصيل، وغيرها تنقسم إلى الأقسام الثلاثة التي سلف ذكرها، ولهذا لم يسم الله نفسه بالمتكلم ، مع أنه يتكلم، لأن الكلام قد يكون خيراً، وقد يكون شراً، وقد لا يكون خيراً ولا شراً، فالشر لا ينسب إلى الله، واللغو كذلك لا ينسب إلى الله، لأنه سفه، والخير ينسب إليه، ولهذا لم يسم نفسه بالمتكلم، لأن الأسماء كما وصفها الله عز وجل: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)(الأعراف/180)، ليس فيها أي شيء من النقص ، ولهذا جاءت باسم التفضيل المطلق.)[122][122]

 

‏التاسع عشر : أن من أسمائه الحسنى ما يكون دالا على عِدة صفات ، ويكون ذلك الإسم متناولا ‏لجميعها تناولَ الإسم الدال على الصفة الواحدة لها كما تقدم بيانه ، كاسمه : العظيم والمجيد والصمد ، وكما ‏قال ابن عباس فيما رواه عنه ابن أبي حاتم في ( تفسيره )[123][123]( الصمد : السيد الذي قد كمُل ‏في سؤدده[124][124]، والشريف : الذي قد كمُل في شرفه ، والعظيم : الذي قد كمُل في عظمته ، والحليم ‏الذي قد كمُل في حلمه ، والعليم الذي قد كمُل في علمه، والحكيم الذي قد كمُل في حكمته ‏، وهو الذي قد كمُل في أنواع شرفه وسؤدده ، وهو الله سبحانه وتعالى. هذه صفته لا تنبغي ‏إلا له ، ليس له كفوا أحد ، وليس كمثله شيء ، سبحان الله الواحد القهار ) هذا لفظه .

وهذا مما خَفي على كثير ممن تعاطى الكلام في تفسير الأسماء الحسنى ، ففسر الإسم بدون معناه ، ونقصه من حيث لا يعلم ، فمن لم يُحِط بهذا علما بَخَس الإسم الأعظم حقه وهضمه معناه ، فتدبره .[125][125]

 

العشرون : وهي الجامعة لما تقدم من الوجوه ، وهي معرفة الإلحاد في أسمائه حتى لا يقع فيه ، قال تعالى : ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (الأعراف /180) والإلحاد في أسمائه هو : العدول بها وبحقائقها ومعانيها عن الحق الثابت لها ، وهو مأخوذ من الميل كما يدل عليه مادته ( ل ح د ). فمنه : اللحد ، وهو الشق في جانب القبر الذي قد مال عن الوسط . ومنه : الملحد في الدين المائل عن الحق إلى الباطل .

قال ابن السِّكيت : الملحد المائل عن الحق المُدْخل فيه ما ليس منه . ومنه الملتَحَد ، وهو مفتعل من ذلك ، وقوله تعالى : ( ولن تجد من دونه ملتحدا ) (الكهف / 27) أي : مَن تَعْدِل إليه وتهرب إليه وتلتجئ إليه وتميل إليه عن غيره . تقول العرب : التحد فلان إلى فلان إذا عَدَلَ إليه .
إذا عُرِف هذا فالإلحاد في أسمائه تبارك وتعالى أنواع :
أحدها : أن يسمى الأصنام بها كتسميتهم اللات من الإلهية ، والعزى من العزيز ، وتسميتهم الصنم إلها ، وهذا إلحاد حقيقة فإنهم عدلوا بأسمائه إلى أوثانهم وآلهتهم الباطلة .
الثاني : تسميته بما لا يليق بجلاله كتسمية النصارى له : أبا ، وتسمية الفلاسفة له : موجبا بذاته ، أوعلة فاعلة بالطبع ، ونحو ذلك .
وثالثها : وصفه بما يتعالى عنه ويتقدس من النقائص ، كقول أخبث اليهود : إنه فقير. وقولهم : إنه استراح بعد أن خلق خلقه. وقولهم : ( يد الله مغلولة ) (المائدة /64) ، وأمثال ذلك مما هو إلحاد في أسمائه وصفاته.

ورابعها : تعطيل الأسماء عن معانيها وجحد حقائقها ، كقول من يقول من الجهمية وأتباعهم : إنها ألفاظ مجردة لا تتضمن صفات ولا معاني ، فيطلقون عليه اسم : السميع والبصير والحي والرحيم والمتكلم والمريد، ويقولون : لا حياة له ولا سمع ولا بصر ولا كلام ولا إرادة تقوم به ، وهذا من أعظم الإلحاد فيها عقلا وشرعا ولغة وفطرة ، وهو يقابل إلحاد المشركين ، فإن أولئك أعطوا أسماءه وصفاته لآلهتهم ، وهؤلاء سلبوه صفات كماله وجحدوها وعطلوها ، فكلاهما ملحد في أسمائه .

ثم الجهمية وفروخهم متفاوتون في هذا الإلحاد ؛ فمنهم الغالي والمتوسط والمنكوب . وكل من جحد شيئا عما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ فقد ألحد في ذلك ، فليستقل أو ليستكثر.
وخامسها : تشبيه صفاته بصفات خلقه ، تعالى الله عما يقول المشبهون علوا كبيرا .
فهذا الإلحاد في مقابلة إلحاد المعطلة ، فإن أولئك نفوا صفة كماله وجحدوها ، وهؤلاء شبهوها بصفات خلقه، فجمعهم الإلحاد وتفرقت بهم طرقه ، وبرَّأ الله أتباع رسوله صلى الله عليه وسلم وورثته القائمين بسنته عن ذلك كله ، فلم يصفوه إلا بما وصف به نفسه ، ولم يجحدوا صفاته ولم يشبهوها بصفات خلقه ، ولم يعدلوا بها عما أنزلت عليه لفظا ولا معنى ، بل أثبتوا له الأسماء والصفات ونفوا عنه مشابهة المخلوقات ؛ فكان إثباتهم بريئا من التشبيه ، وتنزيههم خليا من التعطيل ، لا كمن شبه حتى كأنه يعبد صنما، أو عطل حتى كأنه لا يعبد إلا عدما .

وأهل السنة وسط في النحل ، كما أن أهل الإسلام وسط في الملل ، توقد مصابيح معارفهم من : { مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ}،(النّور/ 35)، فنسأل الله تعالى أن يهدينا لنوره ويسهل لنا السبيل إلى الوصول إلى مرضاته ومتابعة رسوله ، إنه قريب مجيب . [126][126]

 

( فهذه عشرون فائدة مضافة إلى القاعدة التي بدأنا بها في أقسام ما يوصف به الرب تبارك وتعالى ، فعليك بمعرفتها ومراعاتها ، ثم اشرح الأسماء الحسنى إن وجدت قلبا عاقلا ولسانا قائلا ومحلا قابلا ؛ وإلا فالسكوت أولى بك ، فجناب الربوبية أجل وأعز مما يخطر بالبال أو يعبر عنه المقال :(وفوق كل ذي علم عليم) (يوسف/76) حتى ينتهي العلم إلى من أحاط بكل شيء علما .

وعسى الله أن يعين بفضله على تعليق ( شرح الأسماء الحسنى )[127][127] مراعيا فيه أحكام القواعد بريئا من الإلحاد في أسمائه وتعطيل صفاته ، فهو المان بفضله ، والله ذو الفضل العظيم .)[128][128]

 

قلت : وإضافة لما تقدم

يجب مراعات الضوابط والفوائدالتالية في تتبع وإحصاءالأسماء الحسنى :

 

1 / ( الله سبحانه وتعالى ، لا تضرب له الأمثال التي فيها مماثلة لخلقه، فإن الله لا مثل له، بل له المثل الأعلى، فلا يجوز أن يشترك هو والمخلوق في قياس تمثيل، ولا في قياس شمول تستوي أفراده، ولكن يستعمل في حقه المثل الأعلى، وهو أن كل ما اتصف به المخلوق من كمال، فالخالق أولى به، وكل ما تنزه عنه المخلوق من نقص، فالخالق أولى بالتنزيه عنه، فإذا كان المخلوق منزّهًا عن مماثلة المخلوق مع الموافقة في الاسم، فالخالق أولى أن يُنزه عن مماثلة المخلوق وإن حصلت موافقة في الاسم ) ٳھ[129][129]

 

2 / الصفات فيها مثبت وفيها منفي، أما الأسماء فكلها مثبتة.لكن أسماء الله تعالى المثبتة منها ما يدل على معنى إيجابي، ومنها ما يدل على معني سلبي، وهذا هو مورد التقسيم في النفي والإثبات بالنسبة لأسماء الله.

فمثال التي مدلولها إيجابي كثير.ومثال التي مدلولها سلبي: السلام. ومعنى السلام، قال العلماء: معناه: السالم من كل عيب. إذاً، فمدلوله سلبي، بمعنى: ليس فيه نقص ولا عيب، وكذلك القدوس قريب من معنى السلام، لأن معناه المنزه عن كل نقص وعيب. فصارت عبارة المؤلف [130][130]سليمة وصحيحة ، وهو لا يريد بالنسبةللأسماء أن هناك أسماء منفية، لأن الاسم المنفي ليس باسم لله، لكن مراده أن مدلولات أسماء الله ثبوتية وسلبية. ) [131][131]

 

3 / أسماء الله غير مخلوقة : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن ، فقال : اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماض في حكمك عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أو أنزلته في كتابك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك ، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي . إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرجا.

قال : فقيل : يا رسول الله ألا نتعلمها ؟ فقال : بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها [132][132])[133][133].

قال ابن القيم : ( وقد دل الحديث على أن أسماء الله غير مخلوقة بل هو الذي يتكلم بها وسمى بها نفسه ولهذا لم يقل : بكل اسم خلقته لنفسك ولو كانت مخلوقة لم يسأله بها ، فإن الله لا يقسم عليه بشيء من خلقه ، فالحديث صريح في أن أسماء الله ليست من فعل الآدميين وتسمياتهم ) ا هـ . [134][134]

وقال أبو الحسن الأشعري : (وقد قال الله تعالى : ( تبارك اسم ربك ) (الرحمن / 78) ولا يقال لمخلوق( تبارك ) فدل هذا على أن أسماء الله غير مخلوقة وقال :( ويبقى وجه ربك )(الرحمن /27) فكما لا يجوز أن يكون وجه ربنا مخلوقا ، فكذلك لا يجوز أن تكون أسماؤه مخلوقة ).[135][135]

وقد أورد الإمام البخاري في صحيحه / باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها ضمن كتاب التوحيد ، ثم ساق فيه تسعة أحاديث ، ومقصود الإمام البخاري بهذه الترجمة : إثبات أن أسماء الله تعالى غير مخلوقة ، لأنه قد وردت الاستعاذة بها والسؤال بها ، لأن المخلوق لا يستعاذ به ولا يسأل به.

 

4 / أسماء الله عز وجل يستعاذ بهاويحلف بها.

أن الاستعاذة هي الدعاء والطلب عند الخوف من شر أو ضرر سوف يقع أو الدعاء والطلب وقت الشدة والضرورة والضيق ،قال الخليل بن أحمد : الاستعاذة هي : الالتجاء . وقال الأزهري : هي الالتجاء من خوف . ولذا قال ابن القيم الجوزية في كتابه ( بدائع الفوائد ) حقيقة الاستعاذة الهروب من شيءٍ يُخشى ، إلى ما يكون مأمناً من هذا الخوف ، فتبين بهذا أن الاستعاذة باللّه عبادة للّه، ولهذا أمر اللّه بالاستعاذة به ، قال الله سبحانه وتعالى:(وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(الأعراف/200) ، ( فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ )(النحل/ 98) ، ( قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا ) (مريم/18) ، ( إِنَّ الذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) (غافر/56) .

وفي الحديث ( إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد لو قال: أعوذ