-10:48 /وعن أبي عَبْد الرَّحْمَن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخطَّابِ، رضيَ اللهُ عنهما قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ يَقُولُ:
انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ الْمبِيتُ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فانْحَدَرَتْ صَخْرةٌ مِنَ الْجبلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمْ الْغَارَ، فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا الله تعالى بصالح أَعْمَالكُمْ
1.قَالَ رجلٌ مِنهُمْ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوانِ شَيْخَانِ كَبِيرانِ، وكُنْتُ لاَ أَغبِقُ قبْلهَما أَهْلاً وَلا مالاً فنأَى بِي طَلَبُ الشَّجرِ يَوْماً فَلمْ أُرِحْ عَلَيْهمَا حَتَّى نَامَا فَحَلبْت لَهُمَا غبُوقَهمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِميْنِ، فَكَرِهْت أَنْ أُوقظَهمَا وَأَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلاً أَوْ مَالاً، فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدِى أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ وَالصِّبْيَةُ يَتَضاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمي فَاسْتَيْقظَا فَشَربَا غَبُوقَهُمَا. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَة، فانْفَرَجَتْ شَيْئاً لا يَسْتَطيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهُ.
2. قَالَ الآخر: اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانتْ لِيَ ابْنَةُ عمٍّ كانتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَيَّ وفي رواية: كُنْتُ أُحِبُّهَا كَأَشد مَا يُحبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءِ، فَأَرَدْتُهَا عَلَى نَفْسهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّى حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهِا عِشْرينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّىَ بَيْنِى وَبَيْنَ نَفْسِهَا ففَعَلَت، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا وفي رواية: فَلَمَّا قَعَدْتُ بَيْنَ رِجْليْهَا، قَالتْ: اتَّقِ اللهَ وَلاَ تَفُضَّ الْخاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ، فانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهِىَ أَحَبُّ النَّاسِ إِليَّ وَتركْتُ الذَّهَبَ الَّذي أَعْطَيتُهَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعْلتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فانفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ غَيْرَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا.
3. وقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجرَاءَ وَأَعْطَيْتُهمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذي لَّه وَذَهبَ فثمَّرت أجْرَهُ حَتَّى كثرت منه الأموال فجائني بَعدَ حِينٍ فَقالَ يَا عبدَ اللهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ: كُلُّ مَا تَرَى منْ أَجْرِكَ: مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَم وَالرَّقِيق فقالَ: يا عَبْدَ اللَّهِ لا تَسْتهْزيْ بي، فَقُلْتُ: لاَ أَسْتَهْزيُ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فاسْتاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْه شَيْئاً، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتغَاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فخرَجُوا يَمْشُونَ متفقٌ عليه.}}}}
الشيخ:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه. أما بعد: فهذا الحديث العظيم الطويل في أخبار من قبلنا من الأمم يدل على عظم شأن النية والإخلاص لله،
/ وأن الله جل وعلا يفرج بالأعمال الخالصة لله الكروب الكثيرة والأخطار العظيمة
/ كما أنه سبحانه يدخل به الجنة وينجي به من النار ويضاعف به الحسنات، فالنية الطيبة لها أثر عظيم في أعمال العبد، ولهذا قال ﷺ: الأعمال بالنيات وفي اللفظ الآخر: إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى وفي هذا الحديث العظيم يقول ﷺ: كان ثلاثة ممن كان قبلنا في الأمة الماضية آواهم المبيت إلى غار والرسول ﷺ يخبرنا عن الماضين في كثير من الأحاديث للعبر، لنعتبر ونتعظ كما قال جل وعلا: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِي الأَلْبَابِ [يوسف:111]، في أخبار الماضين عبر، أخبار قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وغيرهم وما جرى في بني إسرائيل من المواعظ منها هذه القصة. ثلاثة من الناس آواهم المبيت وفي لفظ: المطر إلى غار صارت ليلة مطيرة وفي الليل فدخلوا في الغار في الجبل، فلما دخلوا انحدرت صخرة من أعلى الجبل، اختبار وامتحان نزلت الصخرة العظيمة سدت الباب باب الغار، ما يستطيعون دفعها فقالوا فيما بينهم: لن ينجيكم من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم بأن تسألوا الله الفرج وتوسلوا إليه بصالح أعمالكم، وفقهم الله لهذا العمل ابتلاهم ووفقهم ابتلاهم بهذه الصخرة، ثم وفقهم للأسباب المنجية فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران -عجوز وشايب- وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً يعني لا يسقي الحليب أحدًا قبلهما، الغبوق عند العرب ما يكون في الليل، ما كان في الليل يسمونه غبوقًا، وفي أول النهار صبوح، فكان إذا رجع من إبله حلبها وسقاهم قبل أن يناما، فنأى به طلب الشجر في بعض الليالي، يعني أبعد بسبب طلب الرعي فلم يرح عليهما إلا وقد ناما، فوقف والقدح على يديه فيه اللبن ينتظر استيقاظهما، ولم يسق أهلاً ولا مالاً، المال هنا يعني العبيد، لم يستحسن أن يسقي قبلهما لا زوجة ولا ولد ولا عبيد ولا غيرهم فلم يزل واقفًا ينتظر استيقاظهما، ما أحب يكدر عليهم، ما أحب يوقظهم ويكدر عليهم، ولا أحب يسقي قبلهم أحدًا، فلما استيقظا سقاهما غبوقهما اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه توسل بهذا العمل يقول: يا رب إن كنت تعلم أني فعلت هذا الأمر وتعبت وصبرت وأنتظر استيقاظهما ابتغاء وجهك يعني لبرهما فافرج عنا ما نحن فيه؛ فانفرجت الصخرة بعض الشيء، انفرجت بعض الشيء حتى يتم أمر الله، لكن لا يستطيعون الخروج، وهذا لا شك أنه يبشرهم بخير يبشرهم بفرج.
ثم قال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عم، وكنت أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء ورادوها عن نفسها فأبت أرداها للفاحشة فأبت، فألمت بها سنة من السنين احتاجت أصابها حاجة وشدة فجاءت إليه تقول: يا ابن عمي ساعدني أنا ألمت بي حاجة وأنا مضطرة فقال: لا، حتى تمكنيني من نفسك، فاتفقا على مائة وعشرين دينارًا مائة وعشرين دينارًا حتى تمكنه من نفسها ففعل وأعطاها الذهب، فلما جلس بين رجليها، قالت: يا عبد الله اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، يعني إلا بالزواج، أنا ما أخذت هذه الدراهم إلا من أجل الضرورة، فلما قالت له هذا الكلام خاف من الله وقام من عندها ولم يفعل الفاحشة، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلت هذا ابتغاء وجهك، يعني ما قمت عنها وأنا قادر عليها إلا خوفًا منك ورغبة بما عندك، فانفرجت الصخرة زيادة لكن لا يستطيعون الخروج، حتى يتم أمر الله.
ثم قال الثالث: اللهم إني استأجرت أجراء (عمال) فأعطيت كل إنسان أجره إلا واحد أبقى أجره ما أخذه فنميته له وثمرته له حتى صار منه عبيد وإبل وبقر وغنم من هذا الأجر في بعض الروايات أنه كان آصع من شعير أو من أرز نماه واتجر فيه حتى اشترى منه عبيدًا وإبلاً وبقرًا وغنمًا فلما مضت سنون جاء الرجل، قال: يا عبد الله أعطني أجري فقال له: هذا اللي تراه كله من أجرك، هذه الإبل والبقر والغنم والعبيد كلها من أجرك خذه، قال: يا عبد الله لا تستهزئ بي، يعني أجري معروف آصع، قال: ما أستهزأ بك كله من مالك فاستاقه كله، استاق الإبل والبقر والغنم والعبيد، هذا يعمل عظيم ونصح عظيم وأمانة عظيمة. اللهم إن كنت تعلم إني فعلت هذا ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه فانفرجت الصخرة وخرجوا، خرجوا بعد هذا التوسل وهذا الإخلاص، بعدما توسلوا إلى الله بهذه الأعمال الخالصة لله، هذا يدل على أن الأعمال إذا كانت لله تكون سببًا لتفريج الكروب في الدنيا والآخرة، الأعمال الصالحة من أسباب تفريج الكروب في الدنيا ومن أسباب تفريج الكروب في الآخرة يوم القيامة، فعلى العبد أن يجتهد في إصلاح النية وإخلاص أعماله لله من صوم وصدقة وعطاء ومنه وحج وعمرة وغير ذلك يكون لله، تكون أعماله يبتغي بها وجه الله لا رياء ولا سمعة وله البشرى من الله أن الله يعطيه الأجر العظيم في الدنيا والآخرة. وفق الله الجميع. قصة الثلاثة الذين أووا إلى الغار فانطبق عليهم فتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم ففرج عنهم. قال الإمام البخاري: حدثنا إسماعيل بن خليل، أخبرنا علي بن مسهر، عن عبيد الله بن عمر عن نافع، عن ابن عمر أن رسول الله ﷺ قال: « بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون، إذا أصابهم مطر فآووا إلى غار فانطبق عليهم، فقال بعضهم لبعض: إنه والله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق، فليدع كل رجل منكم بما يعلم، أنه قد صدق فيه. فقال واحدا منهم: اللهم إن كنت تعلم أنه كان لي أجير عمل لي على فرق من أزر، فذهب وتركه، وإني عمدت إلى ذلك الفرق فزرعته، فصار من أمره أني اشتريت منه بقرا، وأنه أتاني يطلب أجره، فقلت: اعمد إلى تلك البقر فسقها، فقال لي: إنما لي عندك فرق من أرز، فقلت له: اعمد إلى تلك البقر فإنها من ذلك الفرق فساقها، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، فانساخت عنهم الصخرة.
فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت آتيهما كل ليلة بلبن غنم لي، فأبطأت عنهما ليلة، فجئت وقد رقدا، وأهلي وعيالي يتضاغون من الجوع، وكنت لا أسقيهم حتى يشرب أبواي، فكرهت أن أوقظهما، وكرهت أن أدعهما فيستكنا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك ففرج عنا، فانساخت عنهم الصخرة حتى نظروا إلى السماء.
فقال الآخر: اللهم إن كنت تعلم أنه كانت لي ابنة عم من أحب الناس إلي، وإني راودتها عن نفسها فأبت إلا أن آتيها بمائة دينار، فطلبتها حتى قدرت فأتيتها بها فدفعتها إليها، فأمكنتني من نفسها، فلما قعدت بين رجليها، قالت: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فقمت وتركت المائة دينار، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك من خشيتك، ففرج عنا، ففرج الله عنهم فخرجوا ».
رواه مسلم عن سويد بن سعيد، عن علي بن مسهر به.
وقد رواه الإمام أحمد منفردا به، عن مروان بن معاوية، عن عمرو بن حمزة بن عبد الله بن عمر، عن سالم، عن أبيه، عن النبي ﷺ بنحوه.
ورواه الإمام أحمد من حديث وهب بن منبه، عن النعمان بن بشير، عن النبي ﷺ بنحو من هذا السياق، وفيه زيادات.
ورواه البزار من طريق أبي إسحاق، عن رجل من بجيلة، عن النعمان بن بشير مرفوعا مثله.
ورواه البزار في مسنده من حديث أبي حنش، عن علي بن أبي طالب، عن النبي ﷺ بنحوه.
=============
/ سؤالي هل بر الوالدين واجب على الأبناء دون البنات أم على الاثنين معا؟ وهل الزوجة طاعتها لزوجها أولى من برها لوالديها وخصوصا في وجود إخوة لها؟ ومن الأولى على خدمة وإعالة الوالدين الابن أو الابنة، خصوصا أن الابن دائما تكون له الحظوة من الوالدين دون الابنة؟ وفى بعض الأحيان يقيم مع والديه في منزل واحد. وهل هذا يلزم زوجة الابن أن تخدم والدي زوجها؟ وهل عدم قيام الأبناء لواجبهما تجاه والديهم يلزم الزوج بأن يسمح لزوجته بخدمة أبويها، ولماذا جعل الله للذكر مثل حظ الأنثيين في الميراث؟ وهل له علاقة بالإنفاق على الوالدين وخدمتهما؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فبر الوالدين وطاعتهما في المعروف واجب على الأولاد جميعاً ذكورهم وإناثهم، ومن البر بالوالدين الخدمة والرعاية لهما إذا احتاجا لذلك، ولا يسقط حق الوالدين على الولد بحال، يستوي في ذلك الابن والبنت، المتزوج وغير المتزوج لكنّ البنت إذا تزوجت ولم يمكنها الجمع بين طاعة والديها وطاعة زوجها، فإنّ طاعة زوجها في المعروف تكون أوجب عليها من طاعة والديها.
قال ابن تيمية: الْمَرْأَةُ إذَا تَزَوَّجَتْ كَانَ زَوْجُهَا أَمْلَكَ بِهَا مِنْ أَبَوَيْهَا وَطَاعَةُ زَوْجِهَا عَلَيْهَا أَوْجَبُ. مجموع الفتاوى. (32 / 261) وقال المرداوي: لا يلزمها طاعة أبويها في فراق زوجها ولا زيارة ونحوها بل طاعة زوجها أحق. الإنصاف. وقد ذهب بعض العلماء إلى أنّ الوالدين إذا كانا في حاجة شديدة لخدمة ابنتهما فإنها تخدمهما ولو منعها زوجها، قال ابن الهمام: وَلَوْ كَانَ أَبُوهَا زَمِنًا مَثَلًا وَهُوَ مُحْتَاجٌ إلَى خِدْمَتِهَا وَالزَّوْجُ يَمْنَعُهَا مِنْ تَعَاهُدِهِ فَعَلَيْهَا أَنْ تُغْضِبَهُ مُسْلِمًا كَانَ الْأَبُ أَوْ كَافِرًا. فتح القدير(9 / 469) لكن ينبغي للأولاد أن يتعاونوا على خدمة والديهم و يراعوا أحوال بعضهم، أمّا زوجة الابن فلا يلزمها خدمة والدي زوجها، فإن تبرعت بذلك فهو من الإحسان ومكارم الأخلاق، وانظر الفتوى رقم: 33290 وأمّا جعل ميراث الذكر مثل حظ الأنثيين فهو شرع الحكيم الخبير الذي لا يسأل عما يفعل، وشرعه كله حكمة ورحمة وعدل، وقد بينا الحكمة في ذلك في الفتوى رقم: 13494 وقد ذهب بعض العلماء إلى اعتبار هذا الأمر في نفقة الأولاد على الوالدين، قال ابن قدامة: وإن اجتمع ابن وبنت فالنفقة بينهما أثلاثا كالميراث وقال أبو حنيفة: النفقة عليهما سواء لأنهما سواء في القرب وقال الشافعي النفقة على الابن لأنه العصبة ولنا قول الله تعالى: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ {البقرة: 233} المغني. (9 / 268) باختصار. والله أعلم.
==============
===
بر الوالدين من ويكيديا
إن بِرَّ الوالدين هو أقصى درجات الإحسان إليهما. فيدخل فيه جميع ما يجب من الرعاية والعناية، وقد أكد الله الأمر بإكرام الوالدين حتى قرن الله سبحانه وتعالى الأمر بالإحسان إليهما بعبادته التي هي توحيده والبراءة عن الشرك اهتماما به وتعظيما له. من روائع الدين الاسلامي تمجيده للبر حتى صار يعرف به، فحقا إن الإسلام دين البر الذي بلغ من شغفه به أن هون على أبنائه كل صعب في سبيل ارتقاء قمته العالية، صارت في رحابه أجسادهم كأنها في علو من الأرض وقلوبهم معلقة بالسماء وأعظم البر ( بر الوالدين ) الذي لو استغرق المؤمن عمره كله في تحصيله لكان أفضل من جهاد النفل يتكون هذا اللفظ من شقين فلنأخذ كل شق على حده.
مقدمةالبِرُّ لغةً:- بِرُّ :- الخير .الجمع، أبرار: بِرُّ الوالدين (طاعة) الوالدين البر بالوالدين معناه طاعتهما وإظهار الحب والاحترام لهما، ومساعدتهما وهو الإحسان إليهما، وطاعتهما، وفعل الخيرات لهما،وقد جعل الله للوالدين منزلة عظيمة لا تعادلها منزلة، فجعل برهما والإحسان إليهما والعمل على رضاهما فرض عظيم، بكل وسيلة ممكنة بالجهد والمال ، والحديث معهما بكل أدب وتقدير، والإنصات إليهما عندما يتحدثان، وعدم التضجر وإظهار الضيق منهما وقد دعا الإسلام إلى البر بالوالدين والإحسان إليهما وذكره بعد الأمر بعبادة الله تعالى قال ذو النون ثلاثة من أعلام البر : بر الوالدين بحسن الطاعة لهما ولين الجناح وبذل المال ، وبر الولد بحسن التأديب لهم والدلالة على الخير ، وبر جميع الناس بطلاقة الوجه وحسن المعاشرة.//وطلبت أم مسعر ليلة من مسعر ماء فقام فجاء بالكوز فصادفها وقد نامت فقام على رجليه بيده الكوز إلى أن أصبحت فسقاها
وعن محمد ابن المنكدر قال : بت أغمز ( المراد بالغمز ما يسمى الآن بالتكبيس ) رجلي أمي وبات عمي يصلي ليلته فما سرني ليلته بليلتي، ورأى أبو هريرة رجلا يمشي خلف رجل فقال من هذا ؟ قال أبي قال : لا تدعه باسمه ولا تجلس قبله ولا تمش أمامه.
الأَدِلّةُ الشّرعِية على بِرِّ الوالِدَين{ لقد حرص الإسلام على بر الوالدين وقرن طاعتهما بطاعة الله، بل وجعل إحسان المرء لوالديه من أعلى درجات الإحسان التي بها الأجر والسداد والتوفيق في الدنيا والآخرة، حتى وإن لم يكونا من المسلمين. قد أكَّد الإسلام على بر الوالدين والإحسان إليهما في مواضعَ كثيرة في القرآن والسنة المطهرة لقد أوْلى الإسلام العظيم مسألة بر الوالدين اهتماماً كبيراً فجعل أعظم البر وأفضل الأعمال بعد الصلاة المكتوبة هو بر الوالدين، وفي هذا إشارة ولفتة على عظمتها ودورهما الكبير في حياة الفرد، فهما من أنجباه وتكفلاه بالحب والرعاية والتوجيه والإرشاد، وهما من علماه فكانا له خير قدوة ودليل، وهما من رافقاه في مسيرته الصغيرة حتى ولج إلى حياة الكبار رجلاً راشداً له دوره ومكانته وأهميته.
أَدِلّةُ بِرِّ الوالِدَينِ في الْقُرْآن
1/ في سورة البقرة وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ
2/ في سورة الإسراء وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا
3/ في سورة النساء وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا
4/ في سورة لقمان وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ
5/ في سورة الأحقاف وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ
6/ في سورة العنكبوت وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
أَدِلّةُ بِرّ الوالِدَينِ في السُّنةِ النَّبَويّة
وقال النبي محمد : (من أرضى والديه فقد أرضى الله، ومن أسخط والديه فقد أسخط الله) (حديث مرفوع) .
7/ والجنة تحت أقدام الأمهات: جاء رجل إلى النبي يريد الجهاد، فأمره النبي أن يرجع ويبر أمه، فأعاد الرجل رغبته في الجهاد، فأمره النبي أن يرجع ويبر أمه. وفي المرة الثالثة، قال له النبي: (ويحك! الزم رِجْلَهَا فثم الجنة) [ابن ماجه].
8/ وجاء رجل إلى النبي فاستأذنه في الجهاد، فقال : (أحي والداك؟). قال: نعم. قال النبي: (ففيهما فجاهد) [مسلم]
9/ وأقبل رجل على الرسول، فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد؛ أبتغي الأجر من الله، فقال : (فهل من والديك أحد حي؟). قال: نعم. بل كلاهما. فقال النبي : (فتبتغي الأجر من الله؟). فقال: نعم. قال النبي محمد : (فارجع إلى والديك، فأَحْسِنْ صُحْبَتَهُما) [مسلم].
10/ وبِرُّ الوالدين من أعظم أبواب الخير، وقد جاء ذلك في الحديث الذي سأل فيه عبد الله بن مسعود النبي قائلاً: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ : "الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا". قال: ثمَّ أيٌّ؟ قال: "ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ". قال: ثمَّ أيٌّ؟ قال: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ".
* حُقوقُ الوالِدَينِ // إذا كان من الطبيعي أن يشكر الإنسان من يساعده ويقدم له يد المساعدة، فإن الوالدان هما أحق الناس بالشكر والتقدير، لكثرة ما قدما من عطاء وتفاني وحب لأولادهما دون انتظار مقابل، وأعظم سعادتهما أن يشاهدا أبناءهما في أحسن حال وأعظم مكانة. وهذه التضحيات العظيمة التي يقدمها الآباء لابد أن يقابلها حقوق من الأبناء ومن هذه الحقوق التي وردت في القرآن الكريم:
1- الطاعة لهما وتلبية أوامرهما والإنفاق عليهما عند الحاجة.
2- التواضع لهما ومعاملتهما برفق ولين وتقديمهما في الكلام والمشي احتراماً لهما وإجلالاً لقدرهما.
3- {{{{{خفض الصوت عند الحديث معهما وعدم إزعاجهما ان كانا نائمين.}}}}}
4- استعمال أعذب الكلمات وأجملها عند الحديث معهما .
5- إحسان التعامل معهما وهما في مرحلة الشيخوخة وعدم إظهار الضيق من طلباتهما ولو كانت كثيرة ومتكررة .
6- الدعاء لهما بالرحمة والغفران وعدم مجادلتهما والكذب عليهما.
7- اختصاص الأم بمزيد من البر لحاجتها وضعفها وسهرها وتعبها في الحمل والولادة والرضاعة. والبر يكون بمعنى حسن الصحبة والعشرة وبمعنى الطاعة والصلة
8- شكرهما الذي جاء مقروناً بشكر الله والدعاء لهما لقوله تعالى
في سورة الإسراء وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا
وأن يؤثرهما على رضا نفسه وزوجته وأولاده.
9- الإحسان إليهما وتقديم أمرهما وطلبهما، ومجاهدة النفس برضاهما حتى وإن كانا غير مسلمين لقوله تعالى: في سورة لقمان وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
عُقُوقُ الوالِدَينِ وعكس البر العقوق، ونتيجته وخيمة لحديث أبي محمد جبير بن مطعم أن رسول الله قال: { لا يدخل الجنة قاطع }. قال سفيان في روايته: ( يعني قاطع رحم ) [رواه البخاري ومسلم] والعقوق: هو العق والقطع، وهو من الكبائر بل كما وصفه الرسول من أكبر الكبائر وفي الحديث المتفق عليه: { ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا بلى يا رسول الله، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين. وكان متكئاً وجلس فقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور، فما زال يرددها حتى قلنا ليته سكت }. والعق لغة: هو المخالفة، وضابطه عند العلماء أن يفعل مع والديه ما يتأذيان منه تأذياً ليس بالهيّن عُرفاً. وفي المحلى لابن حزم وشرح مسلم للنووي: ( اتفق أهل العلم على أن بر الوالدين فرض، وعلى أن عقوقهما من الكبائر، وذلك بالإجماع ) وعن أبي بكرة عن النبي قال: { كل الذنوب يؤخر الله تعالى ما شاء منها إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين، فإن الله يعجله لصاحبه في الحياة قبل الموت } رواه الطبراني في الكبير والحاكم في المستدرك وصححاه]. أحكامٌ شَرْعِيّةٌ خاصّةٌ بِالوالِدَينِ لا حد على الوالدين في قصاص أو قطع أو قذف. وللأب أن يأخذ من مال ولده إذا احتاج بشرط أن لا يجحف به، ولا يأخذ شيئاً تعلقت به حاجته. ولا يأخذ من مال ولده فيعطيه الولد الآخر [المغني:6/522]، وإذا تعارض حق الأب وحق الأم فحق الأم مقدم لحديث: { أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك } [رواه الشيخان]، والمرأة إذا تزوجت فحق زوجها مقدم على حق والديها.
وقال في المقنع: ( وليس للإبن مطالبة أبيه بدين، ولا قيمة متلف، ولا أرش جناية ) قلت: وعلى الوالدين أن لا ينسيا دورهما في إعانة الولد على برهما، وذلك بالرفق به، والإحسان إليه، والتسوية بين الأولاد في المعاملة والعطاء.
بِرُّ الوالِدَينِ بَعْدَ مَوتِهَمافالمسلم يبر والديه في حياتهما، ويبرهما بعد موتهما؛ بأن يدعو لهما بالرحمة والمغفرة، وينَفِّذَ عهدهما، ويكرمَ أصدقاءهما. يحكي أن رجلا من بني سلمة جاء إلى النبي فقال: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرُّهما به من بعد موتهما؟ قال: (نعم. الصلاة عليهما (الدعاء)، والاستغفار لهما، وإيفاءٌ بعهودهما من بعد موتهما، وإكرام صديقهما، و صلة الرحم التي لا توصل إلا بهما) [ابن ماجه]. وحثَّ الله كلَّ مسلم على الإكثار من الدعاء لوالديه في معظم الأوقات، فقال تعالى: في سورة إبراهيم رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ، في سورة نوح رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا
فضل بر الوالِدَينِ
دلت نصوص شرعية على فضل بر الوالدين وكونه مفتاح الخير منها:
أنه سبب لدخول الجنة: فعن أبي هريرة عن النبي قال: { رغم أنفه، رغم أنفه، رغم أنفه }، قيل: من يا رسول الله؟ قال: { من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة } [رواه مسلم والترمذي].
كونه من أحب الأعمال إلى الله: عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن مسعود قال: سألت النبي أي العمل أحب إلى الله؟ قال: { الصلاة على وقتها }. قلت: ثم أي؟ قال: { بر الوالدين }. قلت: ثم أي؟ قال: { الجهاد في سبيل الله } [متفق عليه].
إن بر الوالدين مقدم على الجهاد في سبيل الله عز وجل: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: ( أقبل رجل إلى النبي فقال أبايعك على الهجرة والجهاد أبتغي الأجر من الله تعالى، فقال : { هل من والديك أحد حي؟ } قال: نعم بل كلاهما. قال: { فتبتغي الأجر من الله تعالى؟ } قال: نعم. قال: { فارجع فأحسن صحبتهما } ) [متفق عليه] وهذا لفظ مسلم وفي رواية لهما: { جاء رجل فاستأذنه في الجهاد، فقال: أحي والداك؟ قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد }.
رضا الرب في رضا الوالدين: عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي قال: { رضا الرب في رضا الوالدين، وسخط الرب في سخط الوالدين } [رواه الترمذي وصححه ابن حبان والحاكم].
في البر منجاة من مصائب الدنيا بل هو سبب تفريج الكروب وذهاب الهم والحزن كما ورد في شأن نجاة أصحاب الغار، وكان أحدهم باراً بوالديه يقدمهما على زوجته وأولاده.
حقوق الوالدين إنّ للوالدين حقّاً عظيماً على أبنائهم، فهما من قاما بتربيتهم، ورعايتهم، والإنفاق عليهم، والأمّ هي من سهرت الليالي الطوال من أجل راحة أبنائها، ومن تعبت في تربيتهم، ومن كانت تفضّلهم حتّى على نفسها، والأمّ هي الوحيدة التي قد تنسى الدّعاء لنفسها على ان تقوم بالدّعاء لأبنائها، وأمّا الأب فهو من يعمل ليلاً ونهاراً، ويسعى بكلّ الدّروب وشتّى الطرق لتوفير حياة كريمة لأبنائه، ليستطيع أن يعيلهم، ويلبي رغباتهم ومتطلباتهم، وبالتالي كان من الواجب على الأبناء برّهم، وإعطاؤهم حقوقهم. حقوق الوالدين على الأبناء إنّ من أهمّ حقوق الوالدين على أبنائهما، ما يلي: (1) طاعة أوامرهما واجتناب معصيتهما: فإنّه من الواجب على الإنسان المسلم أن يطيع والديه، وأن يقوم بتقديم طاعتهما على طاعة أيّ كان من البشر، وذلك في حال لم يأمراه بأمر فيه معصية لله ورسوله - صلّى الله عليه وسلّم - إلا في حالة الزّوجة؛ فإنّها تقدّم على طاعة والديها طاعة زوجها. الإحسان إليهما: وذلك عن طريق القول والفعل، وفي أوجه الإحسان المختلفة جميعها. خفض الجناح: وذلك من خلال التذلل لهما، والتّواضع أمامهما، وطمأنتهما. الابتعاد عن زجرهما: وذلك من خلال الكلام معهما بلين، والتلطف عند مخاطبتهما، والحذر من نهرهما، أو رفع الصّوت عليهما. الإصغاء إليهما: وذلك عن طريق مقابلتهما ببشاشة عند تحدثهما، وعدم مقاطعة حديثهما، والحذر من اتهامهما بالكذب، أو ردّ حديثهما. الفرح بأوامرهما: وعدم التضجّر والتأفف في وجههما، وذلك لقوله تعالى: (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا) سورة الإسراء،23 . التطلق لهما: وذلك من خلال مقابلتهما بالوجه البشوش والتّرحاب بهما، والابتعاد عن العبوس وتقطيب الجبين والحاجبين. التودد لهما والتحبّب إليهما: مثل البدأ بالسلام عليهما، وتقبيل أيديهما ورأسيهما، والإفساح لهما في المجالس، وعدم الأكل من الطعام قبلهما، والمشي خلفهما في النّهار وأمامها في الليل، خاصّةً إذا كان الطريق مظلماً أو وعراً. الجلوس أمامهما بكلّ أدب واحترام: وذلك من خلال الجلوس بجلسة مناسبة، والابتعاد عمّا يمكن أن يشعرهما بالإهانة بأيّ شكل من الأشكال، مثل مدّ الرّجلين، أو رفع الصّوت بالقهقهة في حضرتهما، أو الاضطجاع، أو التعرّي، أو عمل أيّ شيء من المنكرات أمامهما، أو غير هذه الأمور ممّا يُنافي كمال الأدب معهما. تجنّب التمنّن عليهما: وذلك أنّ المنّة تهدم كلّ صنائع المعروف، وهي كذلك من مساوئ الأخلاق، وهي تزداد قبحاً عندما تكون في حقّ الوالدين. تقديم حقّ الأم: فعلى المسلم أن يقدّم برّ الأم، والإحسان إليها، والعطف عليها، على برّ الأب والإحسان إليه، وذلك لما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجلٌ إلى رسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - فقال: مَن أَحَقُّ الناسِ بحُسنِ صحابتي؟ قال: أمُّك، قال: ثمّ من؟ قال: ثمّ أمُّكَ، قال: ثمّ من؟ قال: ثمّ أمُّكَ، قال: ثمّ من؟ قال: ثمّ أبوك) رواه مسلم . البعد عن إزعاجهما: سواءً أكانا نائمين، أو من خلال إزعاجهما عن طريق الجلبة ورفع الصّوت، أو إخبارهما الأخبار المحزنة، أو غير ذلك من أشكال الإزعاج. تجنّب الشّجار أو إثارة الجدل أمامهما: وذلك من خلال الحرص على حلّ المشكلات العائليّة بعيداً عن أعينهما. تلبية ندائهما بسرعة: سواءً أكان الإنسان مشغولاً أم غير مشغول، فإنّه من اللائق بالولد أن يجيب والديه في حال سماعه لندائهما. إصلاح ذات البين إذا فسدت بين الوالدين: فإنّه يجدر بالأبناء أن يقوموا بذلك لإصلاح ذات البين إذا فسدت بين الوالدين، وأن يحرصوا على أن يقرّبوا وجهات النّظر بينهما في حال اختلفا. الاستئذان في حال الدّخول عليهما: فربّما كانا في حالة لا يرغبان أن يراهما أحد عليها. تذكيرهما بالله دائماً: وذلك من خلال تعليمهما كلّ ما يجهلانه من أمور الدّين، وأمرهما بعمل المعروف، ونهيهما عن عمل المنكر، ويجب أن يراعى أن يكون ذلك بمنتهى اللطف، والإشفاق، والشّفافية، والصّبر عليهما في حال لم يقبلا ذلك. الاستئذان منهما، والاستنارة برأيهما: وذلك في كلّ أمور الحياة، مثل: الذّهاب مع الأصحاب في رحلة، أو السّفر إلى خارج البلاد للدراسة ونحوها، أو الذّهاب للجهاد، أو في حال الخروج من المنزل والسّكن خارجه، فإن أعطياه الإذن وإلا فإنّه يترك هذا الأمر، خاصّةً إذا كان رأيهما أصحّ، أو صدر عن علم أو إدراك. الحفاظ على سمعتهما: وذلك من خلال الاختلاط بالصحبة الصّالحة، والابتعاد عمّا سوا ذلك، وتجنّب أماكن الشّبهات. الابتعاد عن لومهما أو تقريعهما: وذلك في حال صدر منهما أيّ عمل لا يرضي ابنهما، مثل تقصيرهما في التّربية، أو تذكيرهما بأمور لا يحبّان سماعها. عمل الأمور التي تدخل السّعادة على قلبيهما: مثل رعاية الإخوة، أو صلة الأرحام، أو عمل الإصلاحات في المنزل أو المزرعة، أو المبادرة بإعطائهما الهدايا، أو غير ذلك ممّا يدخل الفرح والسّرور على قلبيهما. فهم طبيعتهما والتعامل نعهما بما يقتضيه ذلك: ففي حال كان واحد منهما غضوباً أو فظّاً، أو كان لديه أيّ صفة من الصّفات التي لا يحبّذ وجودها في الإنسان، كان الأجدر بالابن أن يتفهّم طبيعتهما، ويتعامل معهما كما ينبغي. الإكثار من الدّعاء والاستغفار لهما في حياتهما: وذلك
/ لقوله سبحانه وتعالى:" (وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) سورة الإسراء،24 ، وقوله تعالى: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) سورة نوح، 28 . برّهما بعد موتهما: وهذا يدلّ على عظم حقّ الوالدين، واتساع رحمة ربّ العالمين، بأن يكون برّ الوالدين غير منقطع حتّى بعد موتهما، فإذا قصّر الإنسان في أيّ حقّ من حقوق والديه وهما على قيد الحياة، ندم على تفريطه وتضييعه لذلك بعد موتهما، وتمنّى عودتهما إلى الحياة الدّنيا، ليعمل لهما صالحاً غير الذي كان يعمل. أهمية بر الوالدين إنّ لبرّ الوالدين أهميّةً كبيرةً في الإسلام، ويتضح ذلك من خلال ما يلي: (2) قرن الله سبحانه وتعالى حقّ الوالدين والإحسان إليهما بعبادته، وقرن شكرهما بشكره سبحانه وتعالى، لأنّه هو وحده الخالق، وهو الذي جعل الوالدين السّبب الظاهر لوجود الولد، وهذا دليل على شدّة وتأكيد حقّهما والإحسان إليهما، وذلك من خلال القول والفعل، لأنّهما أحبّا الولد وأحسنا إليه حال ضعفه وصغره، وبالتالي يقتضي تأكّد الحقّ ووجوب البرّ بهما، وتحريم أدنى وأقلّ مراتب الأذى لهما، ومن ذلك التضجّر، أو التأفّف من خدمتهما، أو زجرهما بصوت مرتفع، أو نفض اليد عليهما. كما أنّ حقّ الوالدين قد جاء في آيات كثيرة مقروناً بعبادة الله عزّ وجل، منها قوله سبحانه وتعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) سورة النساء، 36 ، وقوله سبحانه وتعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) سورة الأنعام، 151 ، وقوله عزّ وجلّ: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) سورة الإسراء،23 ، وقوله عزّ وجلّ: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) سورة لقمان، 14 . برّ الوالدين أفضل عند الله من الجهاد، وهو أعلى مراتب الجهاد في سبيل الله تعالى، وذلك لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (جاء رجل إلى النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - يستأذنه في الجهاد، فقال: أحيٌّ والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد)، وفي لفظ لمسلم: (أقبل رجل إلى نبي الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله، قال: فهل من والديك أحدٌ حيٌّ؟ قال: نعم، بل كلاهما، قال: تبتغي الأجر من الله؟ قال: نعم، قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما). وقد قال ابن حجر: أي إن كان لك أبوان فبالغ جهدك في برّهما والإحسان إليهما؛ فإنّ ذلك يقوم مقام الجهاد؛ لأنّ المراد هنا بالجهاد في الوالدين هو بذل الوسع، والطاقة، والجهد في الإحسان إليهما، ولأهميّة هذا الأمر عند العلماء فقد أقرّوا أنّه لا يجوز الخروج للجهاد إلا بعد أخذ إذن الوالدين، وذلك شريطة أن يكونا من المسلمين، والسّبب في ذلك أنّ برّهما فرض عين، بينما الجهاد فرض كفاية، فإن أمر بالجهاد وأصبح فرض عين فلا إذن حين إذن، لأنّ الجهاد أصبح حينها فرضاً على جميع المسلمين. برّ الوالدين من الاعمال التي تقرّب إلى الجنّة، وهو من أحبّ الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى بعد الصّلاة، والتي تعدّ من أعظم دعائم الإسلام، وذلك لأنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم أخبر بذلك ورتّبه بثمّ، والتي تمنح معنى التّرتيب والمهلة، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (سألتُ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أيُّ العَمَلِ أفضل؟ قال: الصّلاةُ لوقتها، قال: قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: ثمّ برّ الوالدين، قال: قلت: ثمّ أيٌّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله ، حدّثني بهنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - ولو استزدته لزادني) رواه مسلم . برّ الوالدين سبب من أسباب رضى الله عزّ وجلّ، فقد ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (رضى الرّب في رضى الوالد، وسخط الرّب في سخط الوالد) رواه الألباني . برّ الوالدين سبب من أسباب دخول الجنّة، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول: الوالد أوسط أبواب الجنّة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه) رواه الترمذي ، وعن معاوية بن جاهمة رضي الله عنهما، أنَّ جاهِمةَ جاءَ إلى النَّبيِّ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ - فقالَ: (يا رسولَ اللهِ، أردتُ أن أغزوَ وقد جئتُ أستشيرُكَ؟ فقالَ: هل لَكَ مِن أمٍّ؟ قالَ: نعَم، قالَ: فالزَمها، فإنَّ الجنَّةَ تحتَ رِجلَيها) رواه الألباني . دعوة الرّسول - صلّى الله عليه وسلّم - على من لم يبرّ والديه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (رَغِمَ أنْفُهُ، ثمّ رَغم أنفه، ثمّ رغم أنفه، قيل: مَنْ يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر: أحَدَهُما، أو كليهما، ثمّ لم يدخل الجنّة) رواه مسلم وقد قال الإمام القرطبي في ذلك: وهذا دعاء مؤكّد على من قصَّر في برّ أبويه، ويحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون معناه: صرعه الله لأنفه فأهلكه، وهذا إنّما يكون في حقّ من لم يقم بما يجب عليه من برّهما. وثانيهما: أن يكون معناه: أذله الله؛ لأنّ من ألصق أنفه - الذي هو أشرف أعضاء الوجه - بالتّراب - الذي هو موطئ الأقدام وأخسّ الأشياء - فقد انتهى من الذُّل إلى الغاية القصوى، وهذا يصلح أن يدعى به على من فرَّط في متأكدات المندوبات، ويصلح لمن فرّط في الواجبات، وهو الظاهر، وتخصيصه عند الكبر بالذكر - وإن كان برّهما واجباً على كلّ حال - إنّما كان ذلك لشدّة حاجتهما إليه؛ ولضعفهما عن القيام بكثير من مصالحهما، فيبادر الولد اغتنام فرصة برّهما؛ لئلا تفوته بموتهما، فيندم على ذلك. وقد بيَّن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - بماذا يمكن أن يجزي الولد والده، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لا يجزي ولدٌ والداً إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه) رواه مسلم ، وعن أبي بردة أنّه شهد ابن عمر رضي الله عنهما، ورجل يمانيّاً يطوف بالبيت، حمل أمه وراء ظهره يقول: إنّي لها بعيرها المذلل إن أُذعرت ركابها لم أذعر. ثمّ قال: يا ابن عمر، أتُراني جزيتها؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة. برّ الوالدين من أقرب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى، وذلك لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنّه أتاه رجلٌ فقال: (إنّي خطبت امرأة فأبت أن تنْكِحَني، وخطبها غيري فأحبّت أن تَنكِحَهُ، فَغِرْتُ عليها فقتلتُها، فهل لي من توبةٍ؟ قال: أُمُّك حيَّةٌ؟ قال: لا، قال: تبْ إلى الله عزّ وجلّ، وتقرَّب إليه ما استطعت. قال عطاء بن يسار: فذهبت فسألت ابن عباس: لِمَ سألتَهُ عن حياة أمّه؟ فقال: إنّي لا أعلم عملاً أقرب إلى الله تعالى من بِرِّ الوالدة) رواه الألباني . لين الكلام مع الوالدين من أسباب دخول الجنّة، وذلك لقول ابن عمر رضي الله عنهما لرجل أصاب ذنوباً، وذكرها لابن عمر، فقال له ابن عمر: ليست هذه من الكبائر. ثمّ قال ابن عمر رضي الله عنهما عن الكبائر: (الكبائر تسع: الإشراك بالله، وقتل نسمة، والفرار من الزّحف، وقذف المحصنة، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، وإلحاد في المسجد، والذي يستسخر، وبكاء الوالدين من العقوق، قلت: أي والله، قال: أحيّ والدك؟ قلت: عندي أمّي، قال: فوالله لو ألنت لها الكلام، وأطعمتها الطعام، لتدخلنّ الجنّة ما اجتنبت الكبائر) رواه الألباني . أنواع بر الوالدين بعد موتهما هناك الكثير من أنواع البرّ التي يمكن للإنسان أن يوصل بها والديه بعد موتهما، ومنها: (2) الإكثار من الاستغفار لهما: وذلك لقوله سبحانه وتعالى في ذكره دعاء إبراهيم: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) سورة إبراهيم، 40-41 . الدّعاء لهما: وذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقةٍ جارية، أو علمٍ يُنتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له) رواه مسلم . قضاء الدّين عنهما: وذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (نفس المؤمن معلقة بدَينه، حتّى يقضى عنه) رواه الترمذي ، ولحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين) رواه الألباني . قضاء ما عليهما من النّذور: مثل نذر الصّيام، أو نذر الحجّ أو العمرة، أو غير ذلك ممّا يمكن النّيابة فيه. قضاء ما عليهما من الكفّارات: مثل كفّارة اليمين، وكفّارة قتل الخطأ، وغير ذلك، وذلك لدخول هذه الواجبات في قوله - صلّى الله عليه وسلّم - في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه: (أنَّ امرأةً رَكِبتِ البَحرَ فنذرَت، إنِ اللهُ تبارَكَ وتعالى أنجاها أن تَصومَ شَهْرًا، فأنجاها اللهُ عزَّ وجلَّ، فلَم تَصُمْ حتَّى ماتَت، فجاءَتْ قَرابةٌ لَها إمَّا أُختَها أو ابنتَها إلى النَّبيِّ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ - فذَكَرَت ذلِكَ لهُ، فقالَ: أرأيتَكِ لَو كانَ علَيها دَينٌ كُنتِ تَقضينَهُ؟ قالَت: نعَم. قال: فدَينُ اللَّهِ أحقُّ أن يُقضَى، فَاقضِ عَن أمِّكِ) رواه الألباني . قضاء صيام الفرض من رمضان عنهما: وذلك لقوله - صلّى الله عليه وسلّم - في حديث عائشة رضي الله عنها: (من مات وعليه صيام صام عنه وليُّه) رواه البخاري . صلة الرّحم التي لا توصل إلا بهما: وذلك لحديث أبي بردة رضي الله عنه قال: (قدمْتُ المدينةَ، فأتاني عبدُ اللهِ بنُ عمرَ، فقال: أتدري لم أتيتُكَ؟ قال: قلتُ: لا. قال: سمعتُ رسولَ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - يقولُ: من أَحَبَّ أن يَصِلَ أباهُ في قبرِهِ، فليَصِلْ إخوانَ أبيهِ بعدَهُ، وإنّهُ كان بينَ أبي عمرَ وبينَ أبيكَ إِخاءٌ ووُدٌّ، فأحببتُ أن أَصِلَ ذاكَ قال: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول: من أحبّ أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه بعده، وإنّه كان بين أبي عمر وبين أبيك إخاءٌ ووُدٌّ، فأحببت أن أصل ذاك) موارد الظمآن . إكرام أصدقائهما من بعدهما: وذلك لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - أنّه قال: (إنّ أبرَّ البر صلةُ الولدِ أهلَ وُدِّ أبيه "، رواه مسلم، وإذا كان الإحسان إلى الميت من خلا الإحسان إلى أصدقائه، فالوالد والوالدة أولى بهذا الإحسان بعد موتهما، وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:" ما غرتُ على نساءِ النبيِّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - إلا على خديجةَ. وإنّي لم أُدركها. قالت: وكان رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - إذا ذبح الشاةَ فيقول: أرسلوا بها إلى أصدقاءِ خديجةَ، قالت: فأغضبتُه يومًا، فقلتُ: خديجةُ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: إنّي قد رُزِقْتُ حُبَّها) رواه مسلم . التصدّق عنهما: وذلك لحديث سعد بن عبادة رضي الله عنه، أنّ أمّه توفيت، فقال: (يا رسولَ اللهِ، إنَّ أمي تُوفيتْ وأنا غائبٌ عنها، أينفعها شيٌء إن تصدَّقتُ بهِ عنها؟ قال: نعم. قال: فإني أُشْهِدُكَ أنَّ حائطي المِخْرَافَ صَدَقَةٌ عليها) رواه البخاري . المراجع (1) بتصرّف عن كتاب عقوق الوالدين: أسبابه - مظاهره - سبل العلاج/ محمد بن إبراهيم بن أحمد الحمد/ موقع وزارة الأوقاف السعودية. (2) بتصرّف عن كتاب بر الوالدين/ د. سعيد بن وهف القحطاني/ مطبعة سفير- الرياض/ الجزء الأول
جججججججججججججججججججججججججججج
حقوق الوالدين إنّ للوالدين حقّاً عظيماً على أبنائهم، فهما من قاما بتربيتهم، ورعايتهم، والإنفاق عليهم، والأمّ هي من سهرت الليالي الطوال من أجل راحة أبنائها، ومن تعبت في تربيتهم، ومن كانت تفضّلهم حتّى على نفسها، والأمّ هي الوحيدة التي قد تنسى الدّعاء لنفسها على ان تقوم بالدّعاء لأبنائها، وأمّا الأب فهو من يعمل ليلاً ونهاراً، ويسعى بكلّ الدّروب وشتّى الطرق لتوفير حياة كريمة لأبنائه، ليستطيع أن يعيلهم، ويلبي رغباتهم ومتطلباتهم، وبالتالي كان من الواجب على الأبناء برّهم، وإعطاؤهم حقوقهم. حقوق الوالدين على الأبناء إنّ من أهمّ حقوق الوالدين على أبنائهما، ما يلي: (1) طاعة أوامرهما واجتناب معصيتهما: فإنّه من الواجب على الإنسان المسلم أن يطيع والديه، وأن يقوم بتقديم طاعتهما على طاعة أيّ كان من البشر، وذلك في حال لم يأمراه بأمر فيه معصية لله ورسوله - صلّى الله عليه وسلّم - إلا في حالة الزّوجة؛ فإنّها تقدّم على طاعة والديها طاعة زوجها. الإحسان إليهما: وذلك عن طريق القول والفعل، وفي أوجه الإحسان المختلفة جميعها. خفض الجناح: وذلك من خلال التذلل لهما، والتّواضع أمامهما، وطمأنتهما. الابتعاد عن زجرهما: وذلك من خلال الكلام معهما بلين، والتلطف عند مخاطبتهما، والحذر من نهرهما، أو رفع الصّوت عليهما. الإصغاء إليهما: وذلك عن طريق مقابلتهما ببشاشة عند تحدثهما، وعدم مقاطعة حديثهما، والحذر من اتهامهما بالكذب، أو ردّ حديثهما. الفرح بأوامرهما: وعدم التضجّر والتأفف في وجههما، وذلك لقوله تعالى: (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا) سورة الإسراء،23 . التطلق لهما: وذلك من خلال مقابلتهما بالوجه البشوش والتّرحاب بهما، والابتعاد عن العبوس وتقطيب الجبين والحاجبين. التودد لهما والتحبّب إليهما: مثل البدأ بالسلام عليهما، وتقبيل أيديهما ورأسيهما، والإفساح لهما في المجالس، وعدم الأكل من الطعام قبلهما، والمشي خلفهما في النّهار وأمامها في الليل، خاصّةً إذا كان الطريق مظلماً أو وعراً. الجلوس أمامهما بكلّ أدب واحترام: وذلك من خلال الجلوس بجلسة مناسبة، والابتعاد عمّا يمكن أن يشعرهما بالإهانة بأيّ شكل من الأشكال، مثل مدّ الرّجلين، أو رفع الصّوت بالقهقهة في حضرتهما، أو الاضطجاع، أو التعرّي، أو عمل أيّ شيء من المنكرات أمامهما، أو غير هذه الأمور ممّا يُنافي كمال الأدب معهما. تجنّب التمنّن عليهما: وذلك أنّ المنّة تهدم كلّ صنائع المعروف، وهي كذلك من مساوئ الأخلاق، وهي تزداد قبحاً عندما تكون في حقّ الوالدين. تقديم حقّ الأم: فعلى المسلم أن يقدّم برّ الأم، والإحسان إليها، والعطف عليها، على برّ الأب والإحسان إليه، وذلك لما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجلٌ إلى رسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - فقال: مَن أَحَقُّ الناسِ بحُسنِ صحابتي؟ قال: أمُّك، قال: ثمّ من؟ قال: ثمّ أمُّكَ، قال: ثمّ من؟ قال: ثمّ أمُّكَ، قال: ثمّ من؟ قال: ثمّ أبوك) رواه مسلم . البعد عن إزعاجهما: سواءً أكانا نائمين، أو من خلال إزعاجهما عن طريق الجلبة ورفع الصّوت، أو إخبارهما الأخبار المحزنة، أو غير ذلك من أشكال الإزعاج. تجنّب الشّجار أو إثارة الجدل أمامهما: وذلك من خلال الحرص على حلّ المشكلات العائليّة بعيداً عن أعينهما. تلبية ندائهما بسرعة: سواءً أكان الإنسان مشغولاً أم غير مشغول، فإنّه من اللائق بالولد أن يجيب والديه في حال سماعه لندائهما. إصلاح ذات البين إذا فسدت بين الوالدين: فإنّه يجدر بالأبناء أن يقوموا بذلك لإصلاح ذات البين إذا فسدت بين الوالدين، وأن يحرصوا على أن يقرّبوا وجهات النّظر بينهما في حال اختلفا. الاستئذان في حال الدّخول عليهما: فربّما كانا في حالة لا يرغبان أن يراهما أحد عليها. تذكيرهما بالله دائماً: وذلك من خلال تعليمهما كلّ ما يجهلانه من أمور الدّين، وأمرهما بعمل المعروف، ونهيهما عن عمل المنكر، ويجب أن يراعى أن يكون ذلك بمنتهى اللطف، والإشفاق، والشّفافية، والصّبر عليهما في حال لم يقبلا ذلك. الاستئذان منهما، والاستنارة برأيهما: وذلك في كلّ أمور الحياة، مثل: الذّهاب مع الأصحاب في رحلة، أو السّفر إلى خارج البلاد للدراسة ونحوها، أو الذّهاب للجهاد، أو في حال الخروج من المنزل والسّكن خارجه، فإن أعطياه الإذن وإلا فإنّه يترك هذا الأمر، خاصّةً إذا كان رأيهما أصحّ، أو صدر عن علم أو إدراك. الحفاظ على سمعتهما: وذلك من خلال الاختلاط بالصحبة الصّالحة، والابتعاد عمّا سوا ذلك، وتجنّب أماكن الشّبهات. الابتعاد عن لومهما أو تقريعهما: وذلك في حال صدر منهما أيّ عمل لا يرضي ابنهما، مثل تقصيرهما في التّربية، أو تذكيرهما بأمور لا يحبّان سماعها. عمل الأمور التي تدخل السّعادة على قلبيهما: مثل رعاية الإخوة، أو صلة الأرحام، أو عمل الإصلاحات في المنزل أو المزرعة، أو المبادرة بإعطائهما الهدايا، أو غير ذلك ممّا يدخل الفرح والسّرور على قلبيهما. فهم طبيعتهما والتعامل نعهما بما يقتضيه ذلك: ففي حال كان واحد منهما غضوباً أو فظّاً، أو كان لديه أيّ صفة من الصّفات التي لا يحبّذ وجودها في الإنسان، كان الأجدر بالابن أن يتفهّم طبيعتهما، ويتعامل معهما كما ينبغي. الإكثار من الدّعاء والاستغفار لهما في حياتهما: وذلك لقوله سبحانه وتعالى:" (وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) سورة الإسراء،24 ، وقوله تعالى: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) سورة نوح، 28 . برّهما بعد موتهما: وهذا يدلّ على عظم حقّ الوالدين، واتساع رحمة ربّ العالمين، بأن يكون برّ الوالدين غير منقطع حتّى بعد موتهما، فإذا قصّر الإنسان في أيّ حقّ من حقوق والديه وهما على قيد الحياة، ندم على تفريطه وتضييعه لذلك بعد موتهما، وتمنّى عودتهما إلى الحياة الدّنيا، ليعمل لهما صالحاً غير الذي كان يعمل. أهمية بر الوالدين إنّ لبرّ الوالدين أهميّةً كبيرةً في الإسلام، ويتضح ذلك من خلال ما يلي: (2) قرن الله سبحانه وتعالى حقّ الوالدين والإحسان إليهما بعبادته، وقرن شكرهما بشكره سبحانه وتعالى، لأنّه هو وحده الخالق، وهو الذي جعل الوالدين السّبب الظاهر لوجود الولد، وهذا دليل على شدّة وتأكيد حقّهما والإحسان إليهما، وذلك من خلال القول والفعل، لأنّهما أحبّا الولد وأحسنا إليه حال ضعفه وصغره، وبالتالي يقتضي تأكّد الحقّ ووجوب البرّ بهما، وتحريم أدنى وأقلّ مراتب الأذى لهما، ومن ذلك التضجّر، أو التأفّف من خدمتهما، أو زجرهما بصوت مرتفع، أو نفض اليد عليهما. كما أنّ حقّ الوالدين قد جاء في آيات كثيرة مقروناً بعبادة الله عزّ وجل، منها قوله سبحانه وتعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) سورة النساء، 36 ، وقوله سبحانه وتعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) سورة الأنعام، 151 ، وقوله عزّ وجلّ: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) سورة الإسراء،23 ، وقوله عزّ وجلّ: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) سورة لقمان، 14 . برّ الوالدين أفضل عند الله من الجهاد، وهو أعلى مراتب الجهاد في سبيل الله تعالى، وذلك لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (جاء رجل إلى النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - يستأذنه في الجهاد، فقال: أحيٌّ والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد)، وفي لفظ لمسلم: (أقبل رجل إلى نبي الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله، قال: فهل من والديك أحدٌ حيٌّ؟ قال: نعم، بل كلاهما، قال: تبتغي الأجر من الله؟ قال: نعم، قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما). وقد قال ابن حجر: أي إن كان لك أبوان فبالغ جهدك في برّهما والإحسان إليهما؛ فإنّ ذلك يقوم مقام الجهاد؛ لأنّ المراد هنا بالجهاد في الوالدين هو بذل الوسع، والطاقة، والجهد في الإحسان إليهما، ولأهميّة هذا الأمر عند العلماء فقد أقرّوا أنّه لا يجوز الخروج للجهاد إلا بعد أخذ إذن الوالدين، وذلك شريطة أن يكونا من المسلمين، والسّبب في ذلك أنّ برّهما فرض عين، بينما الجهاد فرض كفاية، فإن أمر بالجهاد وأصبح فرض عين فلا إذن حين إذن، لأنّ الجهاد أصبح حينها فرضاً على جميع المسلمين. برّ الوالدين من الاعمال التي تقرّب إلى الجنّة، وهو من أحبّ الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى بعد الصّلاة، والتي تعدّ من أعظم دعائم الإسلام، وذلك لأنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم أخبر بذلك ورتّبه بثمّ، والتي تمنح معنى التّرتيب والمهلة، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (سألتُ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أيُّ العَمَلِ أفضل؟ قال: الصّلاةُ لوقتها، قال: قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: ثمّ برّ الوالدين، قال: قلت: ثمّ أيٌّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله ، حدّثني بهنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - ولو استزدته لزادني) رواه مسلم . برّ الوالدين سبب من أسباب رضى الله عزّ وجلّ، فقد ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (رضى الرّب في رضى الوالد، وسخط الرّب في سخط الوالد) رواه الألباني . برّ الوالدين سبب من أسباب دخول الجنّة، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول: الوالد أوسط أبواب الجنّة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه) رواه الترمذي ، وعن معاوية بن جاهمة رضي الله عنهما، أنَّ جاهِمةَ جاءَ إلى النَّبيِّ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ - فقالَ: (يا رسولَ اللهِ، أردتُ أن أغزوَ وقد جئتُ أستشيرُكَ؟ فقالَ: هل لَكَ مِن أمٍّ؟ قالَ: نعَم، قالَ: فالزَمها، فإنَّ الجنَّةَ تحتَ رِجلَيها) رواه الألباني . دعوة الرّسول - صلّى الله عليه وسلّم - على من لم يبرّ والديه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (رَغِمَ أنْفُهُ، ثمّ رَغم أنفه، ثمّ رغم أنفه، قيل: مَنْ يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر: أحَدَهُما، أو كليهما، ثمّ لم يدخل الجنّة) رواه مسلم وقد قال الإمام القرطبي في ذلك: وهذا دعاء مؤكّد على من قصَّر في برّ أبويه، ويحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون معناه: صرعه الله لأنفه فأهلكه، وهذا إنّما يكون في حقّ من لم يقم بما يجب عليه من برّهما. وثانيهما: أن يكون معناه: أذله الله؛ لأنّ من ألصق أنفه - الذي هو أشرف أعضاء الوجه - بالتّراب - الذي هو موطئ الأقدام وأخسّ الأشياء - فقد انتهى من الذُّل إلى الغاية القصوى، وهذا يصلح أن يدعى به على من فرَّط في متأكدات المندوبات، ويصلح لمن فرّط في الواجبات، وهو الظاهر، وتخصيصه عند الكبر بالذكر - وإن كان برّهما واجباً على كلّ حال - إنّما كان ذلك لشدّة حاجتهما إليه؛ ولضعفهما عن القيام بكثير من مصالحهما، فيبادر الولد اغتنام فرصة برّهما؛ لئلا تفوته بموتهما، فيندم على ذلك. وقد بيَّن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - بماذا يمكن أن يجزي الولد والده، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لا يجزي ولدٌ والداً إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه) رواه مسلم ، وعن أبي بردة أنّه شهد ابن عمر رضي الله عنهما، ورجل يمانيّاً يطوف بالبيت، حمل أمه وراء ظهره يقول: إنّي لها بعيرها المذلل إن أُذعرت ركابها لم أذعر. ثمّ قال: يا ابن عمر، أتُراني جزيتها؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة. برّ الوالدين من أقرب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى، وذلك لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنّه أتاه رجلٌ فقال: (إنّي خطبت امرأة فأبت أن تنْكِحَني، وخطبها غيري فأحبّت أن تَنكِحَهُ، فَغِرْتُ عليها فقتلتُها، فهل لي من توبةٍ؟ قال: أُمُّك حيَّةٌ؟ قال: لا، قال: تبْ إلى الله عزّ وجلّ، وتقرَّب إليه ما استطعت. قال عطاء بن يسار: فذهبت فسألت ابن عباس: لِمَ سألتَهُ عن حياة أمّه؟ فقال: إنّي لا أعلم عملاً أقرب إلى الله تعالى من بِرِّ الوالدة) رواه الألباني . لين الكلام مع الوالدين من أسباب دخول الجنّة، وذلك لقول ابن عمر رضي الله عنهما لرجل أصاب ذنوباً، وذكرها لابن عمر، فقال له ابن عمر: ليست هذه من الكبائر. ثمّ قال ابن عمر رضي الله عنهما عن الكبائر: (الكبائر تسع: الإشراك بالله، وقتل نسمة، والفرار من الزّحف، وقذف المحصنة، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، وإلحاد في المسجد، والذي يستسخر، وبكاء الوالدين من العقوق، قلت: أي والله، قال: أحيّ والدك؟ قلت: عندي أمّي، قال: فوالله لو ألنت لها الكلام، وأطعمتها الطعام، لتدخلنّ الجنّة ما اجتنبت الكبائر) رواه الألباني . أنواع بر الوالدين بعد موتهما هناك الكثير من أنواع البرّ التي يمكن للإنسان أن يوصل بها والديه بعد موتهما، ومنها: (2) الإكثار من الاستغفار لهما: وذلك لقوله سبحانه وتعالى في ذكره دعاء إبراهيم: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) سورة إبراهيم، 40-41 . الدّعاء لهما: وذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقةٍ جارية، أو علمٍ يُنتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له) رواه مسلم . قضاء الدّين عنهما: وذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (نفس المؤمن معلقة بدَينه، حتّى يقضى عنه) رواه الترمذي ، ولحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين) رواه الألباني . قضاء ما عليهما من النّذور: مثل نذر الصّيام، أو نذر الحجّ أو العمرة، أو غير ذلك ممّا يمكن النّيابة فيه. قضاء ما عليهما من الكفّارات: مثل كفّارة اليمين، وكفّارة قتل الخطأ، وغير ذلك، وذلك لدخول هذه الواجبات في قوله - صلّى الله عليه وسلّم - في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه: (أنَّ امرأةً رَكِبتِ البَحرَ فنذرَت، إنِ اللهُ تبارَكَ وتعالى أنجاها أن تَصومَ شَهْرًا، فأنجاها اللهُ عزَّ وجلَّ، فلَم تَصُمْ حتَّى ماتَت، فجاءَتْ قَرابةٌ لَها إمَّا أُختَها أو ابنتَها إلى النَّبيِّ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ - فذَكَرَت ذلِكَ لهُ، فقالَ: أرأيتَكِ لَو كانَ علَيها دَينٌ كُنتِ تَقضينَهُ؟ قالَت: نعَم. قال: فدَينُ اللَّهِ أحقُّ أن يُقضَى، فَاقضِ عَن أمِّكِ) رواه الألباني . قضاء صيام الفرض من رمضان عنهما: وذلك لقوله - صلّى الله عليه وسلّم - في حديث عائشة رضي الله عنها: (من مات وعليه صيام صام عنه وليُّه) رواه البخاري . صلة الرّحم التي لا توصل إلا بهما: وذلك لحديث أبي بردة رضي الله عنه قال: (قدمْتُ المدينةَ، فأتاني عبدُ اللهِ بنُ عمرَ، فقال: أتدري لم أتيتُكَ؟ قال: قلتُ: لا. قال: سمعتُ رسولَ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - يقولُ: من أَحَبَّ أن يَصِلَ أباهُ في قبرِهِ، فليَصِلْ إخوانَ أبيهِ بعدَهُ، وإنّهُ كان بينَ أبي عمرَ وبينَ أبيكَ إِخاءٌ ووُدٌّ، فأحببتُ أن أَصِلَ ذاكَ قال: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول: من أحبّ أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه بعده، وإنّه كان بين أبي عمر وبين أبيك إخاءٌ ووُدٌّ، فأحببت أن أصل ذاك) موارد الظمآن . إكرام أصدقائهما من بعدهما: وذلك لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - أنّه قال: (إنّ أبرَّ البر صلةُ الولدِ أهلَ وُدِّ أبيه "، رواه مسلم، وإذا كان الإحسان إلى الميت من خلا الإحسان إلى أصدقائه، فالوالد والوالدة أولى بهذا الإحسان بعد موتهما، وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:" ما غرتُ على نساءِ النبيِّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - إلا على خديجةَ. وإنّي لم أُدركها. قالت: وكان رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - إذا ذبح الشاةَ فيقول: أرسلوا بها إلى أصدقاءِ خديجةَ، قالت: فأغضبتُه يومًا، فقلتُ: خديجةُ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: إنّي قد رُزِقْتُ حُبَّها) رواه مسلم . التصدّق عنهما: وذلك لحديث سعد بن عبادة رضي الله عنه، أنّ أمّه توفيت، فقال: (يا رسولَ اللهِ، إنَّ أمي تُوفيتْ وأنا غائبٌ عنها، أينفعها شيٌء إن تصدَّقتُ بهِ عنها؟ قال: نعم. قال: فإني أُشْهِدُكَ أنَّ حائطي المِخْرَافَ صَدَقَةٌ عليها) رواه البخاري . المراجع (1) بتصرّف عن كتاب عقوق الوالدين: أسبابه - مظاهره - سبل العلاج/ محمد بن إبراهيم بن أحمد الحمد/ موقع وزارة الأوقاف السعودية. (2) بتصرّف عن كتاب بر الوالدين/ د. سعيد بن وهف القحطاني/ مطبعة سفير- الرياض/ الجزء الأول
حقوق الوالدين إنّ للوالدين حقّاً عظيماً على أبنائهم، فهما من قاما بتربيتهم، ورعايتهم، والإنفاق عليهم، والأمّ هي من سهرت الليالي الطوال من أجل راحة أبنائها، ومن تعبت في تربيتهم، ومن كانت تفضّلهم حتّى على نفسها، والأمّ هي الوحيدة التي قد تنسى الدّعاء لنفسها على ان تقوم بالدّعاء لأبنائها، وأمّا الأب فهو من يعمل ليلاً ونهاراً، ويسعى بكلّ الدّروب وشتّى الطرق لتوفير حياة كريمة لأبنائه، ليستطيع أن يعيلهم، ويلبي رغباتهم ومتطلباتهم، وبالتالي كان من الواجب على الأبناء برّهم، وإعطاؤهم حقوقهم. حقوق الوالدين على الأبناء إنّ من أهمّ حقوق الوالدين على أبنائهما، ما يلي: (1) طاعة أوامرهما واجتناب معصيتهما: فإنّه من الواجب على الإنسان المسلم أن يطيع والديه، وأن يقوم بتقديم طاعتهما على طاعة أيّ كان من البشر، وذلك في حال لم يأمراه بأمر فيه معصية لله ورسوله - صلّى الله عليه وسلّم - إلا في حالة الزّوجة؛ فإنّها تقدّم على طاعة والديها طاعة زوجها. الإحسان إليهما: وذلك عن طريق القول والفعل، وفي أوجه الإحسان المختلفة جميعها. خفض الجناح: وذلك من خلال التذلل لهما، والتّواضع أمامهما، وطمأنتهما. الابتعاد عن زجرهما: وذلك من خلال الكلام معهما بلين، والتلطف عند مخاطبتهما، والحذر من نهرهما، أو رفع الصّوت عليهما. الإصغاء إليهما: وذلك عن طريق مقابلتهما ببشاشة عند تحدثهما، وعدم مقاطعة حديثهما، والحذر من اتهامهما بالكذب، أو ردّ حديثهما. الفرح بأوامرهما: وعدم التضجّر والتأفف في وجههما، وذلك لقوله تعالى: (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا) سورة الإسراء،23 . التطلق لهما: وذلك من خلال مقابلتهما بالوجه البشوش والتّرحاب بهما، والابتعاد عن العبوس وتقطيب الجبين والحاجبين. التودد لهما والتحبّب إليهما: مثل البدأ بالسلام عليهما، وتقبيل أيديهما ورأسيهما، والإفساح لهما في المجالس، وعدم الأكل من الطعام قبلهما، والمشي خلفهما في النّهار وأمامها في الليل، خاصّةً إذا كان الطريق مظلماً أو وعراً. الجلوس أمامهما بكلّ أدب واحترام: وذلك من خلال الجلوس بجلسة مناسبة، والابتعاد عمّا يمكن أن يشعرهما بالإهانة بأيّ شكل من الأشكال، مثل مدّ الرّجلين، أو رفع الصّوت بالقهقهة في حضرتهما، أو الاضطجاع، أو التعرّي، أو عمل أيّ شيء من المنكرات أمامهما، أو غير هذه الأمور ممّا يُنافي كمال الأدب معهما. تجنّب التمنّن عليهما: وذلك أنّ المنّة تهدم كلّ صنائع المعروف، وهي كذلك من مساوئ الأخلاق، وهي تزداد قبحاً عندما تكون في حقّ الوالدين. تقديم حقّ الأم: فعلى المسلم أن يقدّم برّ الأم، والإحسان إليها، والعطف عليها، على برّ الأب والإحسان إليه، وذلك لما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: (جاء رجلٌ إلى رسولِ اللهِ - صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ - فقال: مَن أَحَقُّ الناسِ بحُسنِ صحابتي؟ قال: أمُّك، قال: ثمّ من؟ قال: ثمّ أمُّكَ، قال: ثمّ من؟ قال: ثمّ أمُّكَ، قال: ثمّ من؟ قال: ثمّ أبوك) رواه مسلم . البعد عن إزعاجهما: سواءً أكانا نائمين، أو من خلال إزعاجهما عن طريق الجلبة ورفع الصّوت، أو إخبارهما الأخبار المحزنة، أو غير ذلك من أشكال الإزعاج. تجنّب الشّجار أو إثارة الجدل أمامهما: وذلك من خلال الحرص على حلّ المشكلات العائليّة بعيداً عن أعينهما. تلبية ندائهما بسرعة: سواءً أكان الإنسان مشغولاً أم غير مشغول، فإنّه من اللائق بالولد أن يجيب والديه في حال سماعه لندائهما. إصلاح ذات البين إذا فسدت بين الوالدين: فإنّه يجدر بالأبناء أن يقوموا بذلك لإصلاح ذات البين إذا فسدت بين الوالدين، وأن يحرصوا على أن يقرّبوا وجهات النّظر بينهما في حال اختلفا. الاستئذان في حال الدّخول عليهما: فربّما كانا في حالة لا يرغبان أن يراهما أحد عليها. تذكيرهما بالله دائماً: وذلك من خلال تعليمهما كلّ ما يجهلانه من أمور الدّين، وأمرهما بعمل المعروف، ونهيهما عن عمل المنكر، ويجب أن يراعى أن يكون ذلك بمنتهى اللطف، والإشفاق، والشّفافية، والصّبر عليهما في حال لم يقبلا ذلك. الاستئذان منهما، والاستنارة برأيهما: وذلك في كلّ أمور الحياة، مثل: الذّهاب مع الأصحاب في رحلة، أو السّفر إلى خارج البلاد للدراسة ونحوها، أو الذّهاب للجهاد، أو في حال الخروج من المنزل والسّكن خارجه، فإن أعطياه الإذن وإلا فإنّه يترك هذا الأمر، خاصّةً إذا كان رأيهما أصحّ، أو صدر عن علم أو إدراك. الحفاظ على سمعتهما: وذلك من خلال الاختلاط بالصحبة الصّالحة، والابتعاد عمّا سوا ذلك، وتجنّب أماكن الشّبهات. الابتعاد عن لومهما أو تقريعهما: وذلك في حال صدر منهما أيّ عمل لا يرضي ابنهما، مثل تقصيرهما في التّربية، أو تذكيرهما بأمور لا يحبّان سماعها. عمل الأمور التي تدخل السّعادة على قلبيهما: مثل رعاية الإخوة، أو صلة الأرحام، أو عمل الإصلاحات في المنزل أو المزرعة، أو المبادرة بإعطائهما الهدايا، أو غير ذلك ممّا يدخل الفرح والسّرور على قلبيهما. فهم طبيعتهما والتعامل نعهما بما يقتضيه ذلك: ففي حال كان واحد منهما غضوباً أو فظّاً، أو كان لديه أيّ صفة من الصّفات التي لا يحبّذ وجودها في الإنسان، كان الأجدر بالابن أن يتفهّم طبيعتهما، ويتعامل معهما كما ينبغي. الإكثار من الدّعاء والاستغفار لهما في حياتهما: وذلك لقوله سبحانه وتعالى:" (وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) سورة الإسراء،24 ، وقوله تعالى: (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) سورة نوح، 28 . برّهما بعد موتهما: وهذا يدلّ على عظم حقّ الوالدين، واتساع رحمة ربّ العالمين، بأن يكون برّ الوالدين غير منقطع حتّى بعد موتهما، فإذا قصّر الإنسان في أيّ حقّ من حقوق والديه وهما على قيد الحياة، ندم على تفريطه وتضييعه لذلك بعد موتهما، وتمنّى عودتهما إلى الحياة الدّنيا، ليعمل لهما صالحاً غير الذي كان يعمل. أهمية بر الوالدين إنّ لبرّ الوالدين أهميّةً كبيرةً في الإسلام، ويتضح ذلك من خلال ما يلي: (2) قرن الله سبحانه وتعالى حقّ الوالدين والإحسان إليهما بعبادته، وقرن شكرهما بشكره سبحانه وتعالى، لأنّه هو وحده الخالق، وهو الذي جعل الوالدين السّبب الظاهر لوجود الولد، وهذا دليل على شدّة وتأكيد حقّهما والإحسان إليهما، وذلك من خلال القول والفعل، لأنّهما أحبّا الولد وأحسنا إليه حال ضعفه وصغره، وبالتالي يقتضي تأكّد الحقّ ووجوب البرّ بهما، وتحريم أدنى وأقلّ مراتب الأذى لهما، ومن ذلك التضجّر، أو التأفّف من خدمتهما، أو زجرهما بصوت مرتفع، أو نفض اليد عليهما. كما أنّ حقّ الوالدين قد جاء في آيات كثيرة مقروناً بعبادة الله عزّ وجل، منها قوله سبحانه وتعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) سورة النساء، 36 ، وقوله سبحانه وتعالى: (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) سورة الأنعام، 151 ، وقوله عزّ وجلّ: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) سورة الإسراء،23 ، وقوله عزّ وجلّ: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) سورة لقمان، 14 . برّ الوالدين أفضل عند الله من الجهاد، وهو أعلى مراتب الجهاد في سبيل الله تعالى، وذلك لحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (جاء رجل إلى النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - يستأذنه في الجهاد، فقال: أحيٌّ والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد)، وفي لفظ لمسلم: (أقبل رجل إلى نبي الله - صلّى الله عليه وسلّم - فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله، قال: فهل من والديك أحدٌ حيٌّ؟ قال: نعم، بل كلاهما، قال: تبتغي الأجر من الله؟ قال: نعم، قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما). وقد قال ابن حجر: أي إن كان لك أبوان فبالغ جهدك في برّهما والإحسان إليهما؛ فإنّ ذلك يقوم مقام الجهاد؛ لأنّ المراد هنا بالجهاد في الوالدين هو بذل الوسع، والطاقة، والجهد في الإحسان إليهما، ولأهميّة هذا الأمر عند العلماء فقد أقرّوا أنّه لا يجوز الخروج للجهاد إلا بعد أخذ إذن الوالدين، وذلك شريطة أن يكونا من المسلمين، والسّبب في ذلك أنّ برّهما فرض عين، بينما الجهاد فرض كفاية، فإن أمر بالجهاد وأصبح فرض عين فلا إذن حين إذن، لأنّ الجهاد أصبح حينها فرضاً على جميع المسلمين. برّ الوالدين من الاعمال التي تقرّب إلى الجنّة، وهو من أحبّ الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى بعد الصّلاة، والتي تعدّ من أعظم دعائم الإسلام، وذلك لأنّ النّبي - صلّى الله عليه وسلّم أخبر بذلك ورتّبه بثمّ، والتي تمنح معنى التّرتيب والمهلة، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (سألتُ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أيُّ العَمَلِ أفضل؟ قال: الصّلاةُ لوقتها، قال: قلتُ: ثم أيٌّ؟ قال: ثمّ برّ الوالدين، قال: قلت: ثمّ أيٌّ؟ قال: الجهاد في سبيل الله ، حدّثني بهنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - ولو استزدته لزادني) رواه مسلم . برّ الوالدين سبب من أسباب رضى الله عزّ وجلّ، فقد ورد عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (رضى الرّب في رضى الوالد، وسخط الرّب في سخط الوالد) رواه الألباني . برّ الوالدين سبب من أسباب دخول الجنّة، فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: (سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول: الوالد أوسط أبواب الجنّة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه) رواه الترمذي ، وعن معاوية بن جاهمة رضي الله عنهما، أنَّ جاهِمةَ جاءَ إلى النَّبيِّ - صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ - فقالَ: (يا رسولَ اللهِ، أردتُ أن أغزوَ وقد جئتُ أستشيرُكَ؟ فقالَ: هل لَكَ مِن أمٍّ؟ قالَ: نعَم، قالَ: فالزَمها، فإنَّ الجنَّةَ تحتَ رِجلَيها) رواه الألباني . دعوة الرّسول - صلّى الله عليه وسلّم - على من لم يبرّ والديه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (رَغِمَ أنْفُهُ، ثمّ رَغم أنفه، ثمّ رغم أنفه، قيل: مَنْ يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر: أحَدَهُما، أو كليهما، ثمّ لم يدخل الجنّة) رواه مسلم وقد قال الإمام القرطبي في ذلك: وهذا دعاء مؤكّد على من قصَّر في برّ أبويه، ويحتمل وجهين: أحدهما: أن يكون معناه: صرعه الله لأنفه فأهلكه، وهذا إنّما يكون في حقّ من لم يقم بما يجب عليه من برّهما. وثانيهما: أن يكون معناه: أذله الله؛ لأنّ من ألصق أنفه - الذي هو أشرف أعضاء الوجه - بالتّراب - الذي هو موطئ الأقدام وأخسّ الأشياء - فقد انتهى من الذُّل إلى الغاية القصوى، وهذا يصلح أن يدعى به على من فرَّط في متأكدات المندوبات، ويصلح لمن فرّط في الواجبات، وهو الظاهر، وتخصيصه عند الكبر بالذكر - وإن كان برّهما واجباً على كلّ حال - إنّما كان ذلك لشدّة حاجتهما إليه؛ ولضعفهما عن القيام بكثير من مصالحهما، فيبادر الولد اغتنام فرصة برّهما؛ لئلا تفوته بموتهما، فيندم على ذلك. وقد بيَّن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - بماذا يمكن أن يجزي الولد والده، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لا يجزي ولدٌ والداً إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيعتقه) رواه مسلم ، وعن أبي بردة أنّه شهد ابن عمر رضي الله عنهما، ورجل يمانيّاً يطوف بالبيت، حمل أمه وراء ظهره يقول: إنّي لها بعيرها المذلل إن أُذعرت ركابها لم أذعر. ثمّ قال: يا ابن عمر، أتُراني جزيتها؟ قال: لا، ولا بزفرة واحدة. برّ الوالدين من أقرب الأعمال إلى الله سبحانه وتعالى، وذلك لحديث ابن عباس رضي الله عنهما، أنّه أتاه رجلٌ فقال: (إنّي خطبت امرأة فأبت أن تنْكِحَني، وخطبها غيري فأحبّت أن تَنكِحَهُ، فَغِرْتُ عليها فقتلتُها، فهل لي من توبةٍ؟ قال: أُمُّك حيَّةٌ؟ قال: لا، قال: تبْ إلى الله عزّ وجلّ، وتقرَّب إليه ما استطعت. قال عطاء بن يسار: فذهبت فسألت ابن عباس: لِمَ سألتَهُ عن حياة أمّه؟ فقال: إنّي لا أعلم عملاً أقرب إلى الله تعالى من بِرِّ الوالدة) رواه الألباني . لين الكلام مع الوالدين من أسباب دخول الجنّة، وذلك لقول ابن عمر رضي الله عنهما لرجل أصاب ذنوباً، وذكرها لابن عمر، فقال له ابن عمر: ليست هذه من الكبائر. ثمّ قال ابن عمر رضي الله عنهما عن الكبائر: (الكبائر تسع: الإشراك بالله، وقتل نسمة، والفرار من الزّحف، وقذف المحصنة، وأكل الرّبا، وأكل مال اليتيم، وإلحاد في المسجد، والذي يستسخر، وبكاء الوالدين من العقوق، قلت: أي والله، قال: أحيّ والدك؟ قلت: عندي أمّي، قال: فوالله لو ألنت لها الكلام، وأطعمتها الطعام، لتدخلنّ الجنّة ما اجتنبت الكبائر) رواه الألباني . أنواع بر الوالدين بعد موتهما هناك الكثير من أنواع البرّ التي يمكن للإنسان أن يوصل بها والديه بعد موتهما، ومنها: (2) الإكثار من الاستغفار لهما: وذلك لقوله سبحانه وتعالى في ذكره دعاء إبراهيم: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ) سورة إبراهيم، 40-41 . الدّعاء لهما: وذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه، أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقةٍ جارية، أو علمٍ يُنتفع به، أو ولدٍ صالح يدعو له) رواه مسلم . قضاء الدّين عنهما: وذلك لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (نفس المؤمن معلقة بدَينه، حتّى يقضى عنه) رواه الترمذي ، ولحديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - قال: (يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين) رواه الألباني . قضاء ما عليهما من النّذور: مثل نذر الصّيام، أو نذر الحجّ أو العمرة، أو غير ذلك ممّا يمكن النّيابة فيه. قضاء ما عليهما من الكفّارات: مثل كفّارة اليمين، وكفّارة قتل الخطأ، وغير ذلك، وذلك لدخول هذه الواجبات في قوله - صلّى الله عليه وسلّم - في حديث ابن عباس رضي الله عنهما، وفيه: (أنَّ امرأةً رَكِبتِ البَحرَ فنذرَت، إنِ اللهُ تبارَكَ وتعالى أنجاها أن تَصومَ شَهْرًا، فأنجاها اللهُ عزَّ وجلَّ، فلَم تَصُمْ حتَّى ماتَت، فجاءَتْ قَرابةٌ لَها إمَّا أُختَها أو ابنتَها إلى النَّبيِّ - صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ - فذَكَرَت ذلِكَ لهُ، فقالَ: أرأيتَكِ لَو كانَ علَيها دَينٌ كُنتِ تَقضينَهُ؟ قالَت: نعَم. قال: فدَينُ اللَّهِ أحقُّ أن يُقضَى، فَاقضِ عَن أمِّكِ) رواه الألباني . قضاء صيام الفرض من رمضان عنهما: وذلك لقوله - صلّى الله عليه وسلّم - في حديث عائشة رضي الله عنها: (من مات وعليه صيام صام عنه وليُّه) رواه البخاري . صلة الرّحم التي لا توصل إلا بهما: وذلك لحديث أبي بردة رضي الله عنه قال: (قدمْتُ المدينةَ، فأتاني عبدُ اللهِ بنُ عمرَ، فقال: أتدري لم أتيتُكَ؟ قال: قلتُ: لا. قال: سمعتُ رسولَ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - يقولُ: من أَحَبَّ أن يَصِلَ أباهُ في قبرِهِ، فليَصِلْ إخوانَ أبيهِ بعدَهُ، وإنّهُ كان بينَ أبي عمرَ وبينَ أبيكَ إِخاءٌ ووُدٌّ، فأحببتُ أن أَصِلَ ذاكَ قال: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول: من أحبّ أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه بعده، وإنّه كان بين أبي عمر وبين أبيك إخاءٌ ووُدٌّ، فأحببت أن أصل ذاك) موارد الظمآن . إكرام أصدقائهما من بعدهما: وذلك لحديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - أنّه قال: (إنّ أبرَّ البر صلةُ الولدِ أهلَ وُدِّ أبيه "، رواه مسلم، وإذا كان الإحسان إلى الميت من خلا الإحسان إلى أصدقائه، فالوالد والوالدة أولى بهذا الإحسان بعد موتهما، وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها قالت:" ما غرتُ على نساءِ النبيِّ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - إلا على خديجةَ. وإنّي لم أُدركها. قالت: وكان رسولُ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ - إذا ذبح الشاةَ فيقول: أرسلوا بها إلى أصدقاءِ خديجةَ، قالت: فأغضبتُه يومًا، فقلتُ: خديجةُ؟ فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: إنّي قد رُزِقْتُ حُبَّها) رواه مسلم . التصدّق عنهما: وذلك لحديث سعد بن عبادة رضي الله عنه، أنّ أمّه توفيت، فقال: (يا رسولَ اللهِ، إنَّ أمي تُوفيتْ وأنا غائبٌ عنها، أينفعها شيٌء إن تصدَّقتُ بهِ عنها؟ قال: نعم. قال: فإني أُشْهِدُكَ أنَّ حائطي المِخْرَافَ صَدَقَةٌ عليها) رواه البخاري . المراجع (1) بتصرّف عن كتاب عقوق الوالدين: أسبابه - مظاهره - سبل العلاج/ محمد بن إبراهيم بن أحمد الحمد/ موقع وزارة الأوقاف السعودية. (2) بتصرّف عن كتاب بر الوالدين/ د. سعيد بن وهف القحطاني/ مطبعة سفير- الرياض/ الجزء الأول
=======
رد: قصة واقعة في استجابة الدعاء بصالح العمل
شرح حديث الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى الغار
الحمد لله، والصَّلاة والسَّلام على رسولِ الله، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحْدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمَّدًا عبدُه ورسوله.
وبعد:
فقد روى البُخاريّ ومسلم من حديث عبدالله بن عُمر بن الخطَّاب - رضِي الله عنْهُما - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يقول: ((انطلق ثلاثةُ رهْطٍ ممَّن كان قبلكم، حتَّى أوَوا المبيتَ إلى غارٍ فدخلوه، فانحدرتْ صخرةٌ من الجبل فسدَّت عليهم الغار، فقالوا: إنَّه لا يُنجيكم من هذه الصَّخرة إلاَّ أن تدعوا الله بصالِح أعمالكم، فقال رجُل منهم: اللَّهُمَّ كان لي أبَوانِ شيْخان كبيران، وكنت لا أغْبق قبلهما أهلاً ولا مالاً، فنأى بي في طلب شيءٍ يومًا فلم أرُح عليهما حتَّى ناما، فحلبتُ لهُما غبوقَهما فوجدتُهما نائمَين، وكرهت أن أغبقَ قبلَهما أهلاً أو مالاً، فلبثْتُ والقدح على يدي أنتظِر استيقاظَهُما حتَّى برق الفجْر، فاستيْقَظا فشرِبَا غبوقَهما، اللَّهُمَّ إن كنتُ فعلتُ ذلك ابتِغاء وجْهِك، ففرِّج عنَّا ما نحن فيه من هذه الصَّخرة، فانفرجت شيئًا لا يستطيعون الخروج))، قال النَّبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((وقال الآخَر: اللَّهُمَّ كانتْ لي بنتُ عمّ، كانت أحبَّ النَّاس إليَّ، فأردتُها عن نفسِها، فامتنعتْ منِّي حتَّى ألمَّت بها سَنةٌ من السنين، فجاءتْني فأعطيتُها عشرين ومائة دينار على أن تُخلي بيْني وبين نفسِها، ففعلتْ، حتَّى إذا قدرتُ عليْها قالت: لا أحلّ لك أن تفضَّ الخاتم إلاَّ بحقِّه، فتحرَّجت من الوقوع عليْها، فانصرفتُ عنْها وهي أحبُّ النَّاس إليَّ، وتركت الذَّهَب الَّذي أعطيتُها، اللَّهُمَّ إن كنتُ فعلت ابتغاء وجهِك، فافْرُج عنَّا ما نحن فيه، فانفرجت الصَّخرة غير أنَّهم لا يستطيعون الخروج منها))، قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((وقال الثَّالث: اللَّهُمَّ إنّي استأجرتُ أُجراءَ فأعطيْتُهم أجرَهم غير رجُل واحدٍ ترَك الَّذي له وذهب، فثمَّرت أجْرَه حتَّى كثُرَت منه الأموال، فجاءني بعد حين فقال: يا عبد الله، أدِّ إليَّ أجْري، فقلتُ له: كلُّ ما ترى من أجرِك، من الإبل والبقر والغنم والرَّقيق، فقال: يا عبد الله، لا تستهزئْ بي، فقلت: إنِّي لا أستهزئُ بك، فأخَذه كلَّه فاستاقَه، فلم يترك منْه شيئًا، اللَّهُمَّ فإن كنت فعلتُ ذلك ابتِغاء وجْهِك، فافرجْ عنَّا ما نحن فيه، فانفرجتِ الصَّخرة، فخرجوا يَمشون))[1].
وفي هذا الحديث فوائد وعِبَر كثيرة:
أوَّلاً: فضيلة برّ الوالدَين، وأنَّه من الأعمال الصَّالحة التي تُفرج بها الكربات؛ قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} [الإسراء: 23]، وفي الصَّحيحَين من حديث عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألتُ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: أيُّ العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: ((الصَّلاة على وقتِها))، قال: ثمَّ أيّ؟ قال: ((ثمَّ برّ الوالدَين))، قال: ثمَّ أيّ؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله))[2].
ثانيًا: فضيلة العفَّة عن الزّنا، وأنَّ الإنسان إذا عفَّ عن الزّنا مع قُدرته عليه، فإنَّ ذلك من أفضل الأعمال، وفي الصَّحيحَين من حديث أبي هُرَيْرة - رضي الله عنه - أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((سبعةٌ يظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلاَّ ظلُّه))، وذكر منهُم: ((ورجل دعتْه امرأة ذات منصب وجمال فقال: إنّي أخاف الله))[3].
ثالثًا: في الحديث دليلٌ على فضْل الأمانة وإصلاح العمل للغَير، فإنَّ هذا الرَّجُل كان بإمكانه لمَّا جاءه الأجير أن يُعْطيه أجرَه ويُبقي هذا المال له، ولكن لأمانته وإخلاصه لأخيه ونُصحه له، أعطاه كلَّ ما أثمر أجرة له؛ قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8].
رابعًا: أنَّ مِن أعظم الأسباب التي تُدفع بها المكاره الدُّعاء، فإنَّ الله سمع دعاء هؤلاءِ واستجاب لهم؛ قال تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].
خامسًا: أنَّ الإخلاص من أسباب تفْريج الكربات؛ لأنَّ كلَّ واحد منهم يقول: "اللَّهُمَّ إن كنت فعلتُ ذلك من أجلك، فافرُجْ عنَّا ما نحن فيه".
سادسًا: مشروعيَّة التَّوسُّل إلى الله بالعمل الصَّالح، فإنَّ كلَّ واحد منهم توسَّل إلى الله بعمله الصَّالح أن يُزيل الله عنهم ما بهم من الضُّرّ والشدَّة.
والحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجْمعين.
منقول ..
رد: قصة واقعة في استجابة الدعاء بصالح العمل
قال العابري من ملتقى أهل الحديث متحدثا عن فوائد قيمة استنبطها من هذا الحديث ، حيث قال شكر الله له : إن الحمد لله، نحمده،ونستعينه،ونستغفره،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا،ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد : فهذه فوائد قيدتها،حول حديث النفر الثلاثة الذين دخلوا الغار فانطبقت عليهم الصخرة فدعو الله بصالح أعمالهم... ،جمعتها تذكرة لنفسي ولمن كان على شاكلتي،أشار بها علي من إشارته حكم،وأمره غُنم ،وقد سلكت فيها مسلكاً وعراً،وارتقيت مرتقاً صعباً لست و الله من أربابه!! ، حيث أني لم أنقل فيها شيئاً عن أحد من أهل العلم ، وإنما هي نتاج أفكاري وخاطري المكدود ،مع ضعف الآلة وقلة الدراية، وإنما حرصت على ذلك تنميةً لملكة الاستنباط، وتمرسا ودربة ً في هذا الباب الذي يتفاوت الناس فيه تفاوتاً بيناً . فما كان فيها من عبرة وفائدة فالحمد لله على فضله وإحسانه ، وإن كانت الأخرى فإن النصح والتصويب هو أعظم ما يُهدى إلي ويطيب به قلبي ، والحمد لله الذي بنعمته تمم الصالحات ، وهذا أوان الشروع في المقصود : عن أبي عبد الرحمان عبدِ الله بنِ عمرَ بن الخطابِ رضيَ اللهُ عنهما ، قَالَ : سمعتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( انطَلَقَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى آوَاهُمُ المَبيتُ إِلى غَارٍ فَدَخلُوهُ، فانْحَدرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الغَارَ ، فَقالُوا : إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أنْ تَدْعُوا اللهَ بصَالِحِ أعْمَالِكُمْ . قَالَ رجلٌ مِنْهُمْ : اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوانِ شَيْخَانِ كبيرانِ ، وكُنْتُ لا أغْبِقُ قَبْلَهُمَا أهْلاً ولاَ مالاً ، فَنَأَى بِي طَلَب الشَّجَرِ يَوْماً فلم أَرِحْ عَلَيْهمَا حَتَّى نَامَا ، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُما نَائِمَينِ ، فَكَرِهْتُ أنْ أُوقِظَهُمَا وَأَنْ أغْبِقَ قَبْلَهُمَا أهْلاً أو مالاً ، فَلَبَثْتُ - والْقَدَحُ عَلَى يَدِي - أنتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُما حَتَّى بَرِقَ الفَجْرُ والصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَميَّ ، فاسْتَيْقَظَا فَشَرِبا غَبُوقَهُما . اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابِتِغَاء وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هذِهِ الصَّخْرَةِ ، فانْفَرَجَتْ شَيْئاً لا يَسْتَطيعُونَ الخُروجَ مِنْهُ . قَالَ الآخر : اللَّهُمَّ إنَّهُ كانَتْ لِيَ ابْنَةُ عَمّ ، كَانَتْ أَحَبَّ النّاسِ إليَّ - وفي رواية : كُنْتُ أُحِبُّها كأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النساءَ - فأَرَدْتُهَا عَلَى نَفْسِهَا فامْتَنَعَتْ منِّي حَتَّى أَلَمَّتْ بها سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ فَجَاءتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمئةَ دينَارٍ عَلَى أنْ تُخَلِّيَ بَيْني وَبَيْنَ نَفْسِهَا فَفعَلَتْ ، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا - وفي رواية : فَلَمَّا قَعَدْتُ بَينَ رِجْلَيْهَا ، قالتْ : اتَّقِ اللهَ وَلاَ تَفُضَّ الخَاتَمَ إلاّ بِحَقِّهِ، فَانصَرَفْتُ عَنْهَا وَهيَ أَحَبُّ النَّاسِ إليَّ وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أعْطَيتُها . اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابْتِغاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فيهِ ، فانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لا يَسْتَطِيعُونَ الخُرُوجَ مِنْهَا . وَقَالَ الثَّالِثُ : اللَّهُمَّ اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ وأَعْطَيْتُهُمْ أجْرَهُمْ غيرَ رَجُل واحدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهبَ، فَثمَّرْتُ أجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنهُ الأمْوَالُ، فَجَاءنِي بَعدَ حِينٍ ، فَقالَ : يَا عبدَ اللهِ ، أَدِّ إِلَيَّ أجْرِي ، فَقُلْتُ : كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أجْرِكَ : مِنَ الإبلِ وَالبَقَرِ والْغَنَمِ والرَّقيقِ ، فقالَ : يَا عبدَ اللهِ ، لاَ تَسْتَهْزِىءْ بي ! فَقُلْتُ : لاَ أسْتَهْزِئ بِكَ ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فاسْتَاقَهُ فَلَمْ يتْرُكْ مِنهُ شَيئاً . الَّلهُمَّ إنْ كُنتُ فَعَلْتُ ذلِكَ ابِتِغَاءَ وَجْهِكَ فافْرُجْ عَنَّا مَا نَحنُ فِيهِ ، فانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ فَخَرَجُوا يَمْشُونَ )) مُتَّفَقٌ عليهِ . الفوائد : (1) فيه جواز توسل المرء بعمله الصالح ، وأن هذا من التوسل الشرعي . (2) من تعرف على الله في الرخاء يعرفه في الشدة . (3) أن الابتلاء بالشدائد من سنة الله تعالى في عباده المؤمنين . (4) أن شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يخالف شرعنا . (5) أن القصص الحق يعد من أساليب التعليم النبوي . (6) فضل الدعاء وأنه من العبادات العظيمة . (7) لا ينجي حذر من قدر ، فهؤلاء الثلاثة دخلوا الغار لكي يأمنوا من طوارق الليل البهيم ، ويرتاحوا من وعثاء الطريق ، فأتاهم الأمر من حيث لم يحتسبوا . (8) امتن الله على عباده بخلق هذه الجبال ، وما فيها من منافع عظيمة للخلق ، ومن ذلك ما يوجد بها من هذه المغارات التي كان الناس ينزلونها للراحة والنوم ، أو التخفي من الأعداء كما في قصة هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة . (9) الإخلاص والصدق مع الله له عواقبه الحميدة . (10) المؤمن لا يعلق قلبه إلا بالله ، فهؤلاء تبرؤ من الحول والقوة ، بل حتى لم يحاولوا دفع الصخرة ويتكلوا على قوتهم ، أو يصرخوا ويستنجدوا بمن عساه يمر ، بل تعلقوا بالله وحده ، وأنزلوا حاجتهم به سبحانه . (11) على العبد أن يجتهد في إصلاح عمله ، وإيقاعه على الوجه الشرعي ، فهذا الذي ينفع بإذن الله . (12) تحويل هذه الصخرة العظيمة من مكان إلى آخر يدل على قدرة الله الباهرة . (13) من الحجارة والصخور من يهبط من خشية الله ، ويستجيب لأمره سبحانه ، فوا عجباً ممن بلغ في قسوة القلب والمشاقة لربه مبلغاً لم تصل إليه حتى الصخور الصماء!!. (14) فيه الرد على المستغيثين بغير الله من عباد القبور والأموات الذين يعظم شركهم عند الشدائد . (15) حسن ظن المؤمن بربه ، خصوصاً في مواطن الشدة . (16) فيه سلوة لأهل البلاء ، وأن لا يقنطوا من رحمة الله فإن فرج الله قريب . (17) فضل الرفقة الصالحة حيث اتفقت كلمتهم على دعاء الله ، وذكَّر بعضهم بعضاً في هذه المحنة . (18) لا بأس أن يخبر المؤمن بعمله الصالح إذا كان هناك مصلحة وفائدة . (19) إظهار الذل والفاقة عند دعاء الله يعد من أسباب إجابة الدعاء . (20) أن بر الوالدين يعد من أزكى الأعمال ، وأجل القربات . (21) يتعين حق الوالدين ويتأكد في مرحلة الكبر والشيخوخة لضعفهما وحاجتهما إلى من يقوم عليهما . (22) الأب والأم يجمعان في كلمة واحدة وهي ( الأبوان ) وهذا من باب التغليب كما يقال ( القمران ) ، ( العمران ) وهذا من لطائف اللغة وجمالها . (23) أن الرقيق ( العبيد والإماء ) يعدون من جملة المال الذي يملكه المرء ويتصرف فيه. (24) أن من بر الوالدين أن لا يتقدم عليهما في تناول الطعام . (25) نفقة الوالدين عند حاجتهما تكون في مال الولد فهي واجبة عليه . (26) حق الوالدين مقدم على حق الأولاد وحق الزوجة . (27) ومن بر الوالدين عدم إيقاظهما من النوم لما في ذلك الأذى وقطع الراحة عليهما . (28) فيه الحث على طلب الزرق والعمل المباح ، وهذا لا ينافي التوكل . (29) نفقة الدواب و إعلافها أمانة في عنق مالكها ، فلا يجوز له التفريط في ذلك . (30) عندما يعتاد الوالدان من ولدهما عادة حسنة ، فلا ينبغي له أن يخل بها أو يقصر فيها . (31) من عُرف ببر والديه ، والقيام عليهما ، ثم شغلته بعض العوائق التي لا يمكن دفعها ؛ فحصل منه نوع قصور في حق والديه ، وكان من نيته عدم الإخلال بحقهما ، فيرجى أن يعفى عن ذلك وأنه لا أثم عليه . (32) على المرء أن يبتغي في بره بوالديه وجه الله تعالى ، وليس على سبيل العرف والعادة ، أو خشية من كلام الناس . (33) على المسلم أن يحرص في بره مع والديه أن يصل إلى الكمال ، والمراتب العالية ، وينافس فيها ، حتى ولو رضي الوالدان منه بأقل مما يسعى إليه ويطمح في تحقيقه. (34) حرمان الأولاد من بعض أنواع الطعام لمصلحة راجحة – إذا لم يلحقهم بذلك ضرر – لا يعد من التفريط المذموم أو التقصير في النفقة . (35) بر الوالدين يحتاج إلى صبر و مصابرة ، فالنفوس الضعاف لا تطيقه . (36) من أساليب الدعاء الشرعية أن يصف العبد حالته وضعفه ، ويشكوا ذلك إلى الله تعالى . (37) إجابة الدعاء قد تتأخر لحكمة أرادها الله تعالى . (38) وجود أهل الصلاح والخير فيمن سبق من الأمم . (39) بر الوالدين مما تدعو إليه الفطر السليمة ، والأديان السماوية . (40) تعلق القلب بالنساء ، والهيام في الغرام والحب المحرم ؛ يوقع العبد في المنكرات العظيمة . (41) الشيطان يتدرج مع العبد حتى يوقعه في ورطات الأمور ،وعظائم الجرائم ، لذلك أمرنا ؛ أن لا نقرب الفواحش فضلاً عن أن نقع فيها . (42) الطعنة النجلاء ، وخيانة الأعراض قد تحصل من أقرب الناس ، لذلك سدت الشريعة كل المداخل التي قد تؤدي إلى هذه المصيبة العظمى . (43) لا يجوز التساهل فيما قد يحصل من بعض القرابات من علاقات محرمة ، أو أن تكسى لباس البراءة ، والحب العفيف !! ، فكم حصل من جراء ذلك من ويلات . (44) ضعف المرء أمام شهوات النفس ، وإغراءات الشيطان ، حتى تجعله أحياناً يقدم على ما فيه دناءة وخسة ، ومنافة للمروءة – مع جرمه وشدة حرمته - حتى ولو كان هذا مع ابنة العم ، نسأل الله العافية والسلامة . (45) الفقر والحاجة – مع ضعف الإيمان – قد تدفع المرء للوقوع في المحرمات ، وهل قامت سوق المومسات اليوم إلا بسبب الإغراءات المالية ، واستغلال فقر الناس ، مع ضعف الوازع الديني ، فنعوذ بالله من الفقر . (46) حرص الشيطان على أن يغلق على العبد أبواب الخير ، ويحول بينه وبينها ، فهذا الرجل بدلاً من أن يخطب ابنة عمه ويتزوجها ، راح يراودها عن نفسها . (47) فيه دليل على أن الوقوع في الفاحشة هو النتيجة الحتمية للحب المحرم ، وهو الترجمة الحقيقة لما في القلوب ، والفرج يصدق ذلك ويكذبه . (48) من تعلق قلبه بغير الله فإنه يبتلى بالتعلق بغيره ، فيذوق مرارة الرق والذل لغير الله ، فتعس عبد الدينار تعس عبد الخميلة : هربوا من الرق الذي خلقوا له فبلوا برق النفس والشيطان . (49) آثار المنكر وثماره المرة قد لا تظهر في حينها ، بل قد تتأخر سنوات ، فعلينا أن نحكم الأصول الشرعية والقواعد المرعية ، وأن نحذر من خطط أهل الباطل المرحلية . (50) ترك المعاصي خوفاً من الله ، وتعظيماً لحرماته ، هذا من الطاعات العظيمة . (51) خطورة الاستماع إلى المنكر والباطل وتعريض المرء نفسه للفتن ، فإنها قد تؤثر ولو بعد حين . (52) ضعف المرأة ، خصوصاً عند غياب الرقيب ، وتفريط الولي لها . (53) كانت و لازالت المرأة هي قطب رحى الفتن والشهوات ، و ما راجت قنوات الخنا والفساد اليوم إلا بسبب التفنن في عرض فتن النساء في مظاهر من العري القذر ، والتفسخ الأخلاقي المنحط ، حتى وصلوا إلى دركات مظلمة تترفع عنها حتى البهائم . (54) على العبد أن لا يتقاعس عن واجب النصيحة ، والتذكير بتقوى الله ، حتى ولو صدر منه تقصير وخطأ . (55) رب كلمة قالها المرء بصدق وإخلاص غيرت مجرى حياة عبد كان غارقاً في الآثام ، وجعلته – بعد توفيق الله – من أهل الصلاح والاستقامة . (56) فيه استحباب التكنية عن الأمور المستقبحة بما يفهم منه المراد ، حتى يعود المرء نفسه على عفة اللسان وطهارته . (57) شرف المرأة في عرضها – بعد تمسكها بدينها – لذلك كان حفظ الأعراض من الضروريات التي جاء بها الشرع ، فعلى المرأة أن لا تفرط في هذا العز المكين . (58) تحريم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية ، لما في ذلك من المفاسد العظيمة . (59) الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل . (60) ترك المعصية بعد القدرة عليها خوفاً من الله ، وحياء منه ؛ هو الذي يؤجر عليه العبد ، أما من ترك المعصية لعدم قدرته عليها ، أو خوفاً من الخلق فهذا ليس مما نحن بصدده . (61) انظر كيف تغير التقوى النفوس ، وتداوي عللها ، بل ترتقي بها في مدارج الكمال والمعالي ، فهذا الرجل لم يمتنع عن المرأة بعد أن ذكّرته بالله فحسب ، بل ترك لها المال الذي كان يضغط عليها به . (62) من شروط قبول التوبة ؛ ترك الذنب مباشرة ، والإقلاع عنه . (63) يا سبحان الله العظيم ، هذا المال الذي طالما أغرى به هذا الرجل هذه المرأة ، حتى بقيت كلماته في نفسها لسنوات ، ثم جاءت تطلب هذا المال ، وقد تنازلت عن أعز ما تملك ، ثم لما تذكر الرجل ربه ، وآب إلى رشده ؛ هان عليه هذا المال في جنب الله ، وترك لها ، فالمال قد يكون وسيلة في الخير ، كما أنه قد يكون وسيلة في الشر،وله آثاره الوخيمة . (64) من ترك شيئاً لله عوض الله خيراً منه . (65) لا أنجع و لا أنفع للنفوس المريضة المثقلة بالذنوب والمعاصي من تقوى الله عز وجل ، والرجوع إليه ، فهي الترياق المجرب ، والدواء النافع بإذن الله تعالى . (66) التوبة قد تنزل على قلب العبد ، وتفتح أبوابه لها ؛ في لحظة لم تخطر له على بال ، فقد يروم فعل معصية في مكان ما ، ثم يصرفه الله عنها ، وييسر له أسباب التوبة بعد ذلك ، فكلمة واحدة جعلت هذا الرجل يقلع عن هذا الذنب الذي سعى إليه منذ سنوات ، و أين ؟ وهو جالس منها مجلس الرجل من زوجته ، فسبحان من قلوب العباد بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء . (67) يجب على المصلح والداعي إلى الله أن لا يقنط ، وأن لا يدخله اليأس من انتشار المعاصي في الناس ، وأن لا يتعجل في الحكم عليهم بالهلاك ، لأن الله سبحانه قد يمن عليهم بالتوبة ، ويأتي بهم . (68) ومن فوائد هذا الحديث جواز الإجارة ، وأنها من المعاملات المباحة . (69) لا بد من إعطاء العمال أجرهم ، و لا تحل مماطلتهم به. (70) حفظ الحقوق ، وردها إلى أهلها ، يعد من حفظ الأمانة التي كلفنا بحملها وأداها . (71) ترك العامل حقه ، وعدم أخده ماله من أُجرة لا يعني تنازله عن حقه ، وتبرعه بالعمل ، إلا إذا ثبت يقيناً أنه أراد ذلك . (72) إذا اجتهد رب العمل في إنصاف العمال وإعطائهم حقوقهم ، ثم ترك أحدهم حقه ، أو هرب من العمل ، فلا يلحقه بذلك إثم و لا عيب . (73) المؤمن الصادق المتقي هو الذي يؤدي للناس ما لهم من حقوق ولا يخونهم . (74) الأخوة الإيمانية توجب للعبد أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ، فهذا الرجل رأى من المصلحة تنمية أجر هذا العامل وله فيه خير ، فقام بذلك كما لو كان له . (75) على العبد إذا عمل المعروف والإحسان ألا ينتظر من الناس جزاءً أو شكورا ، بل يرجو ما عند الله ، فهذا الرجل قد تعب في حفظ هذا العامل وتنميته ، ثم لما جاء العامل أخذه كله ، ولم يترك له شيئاً ، بل حتى لم يقل له كلمة ثناء أو شكر . (76) الأصل أنه لا يجوز التصرف في مال الغير ، لكن إن تُصرف فيه لمصلحة راجحة فإن هذا موقوف على إجازة مالكه . (77) من أعظم ما يعين العبد على النجاة والسلامة من فتنة المال وهضم حقوق الغير ، مراقبة الله وتقواه ، وإلا فهذا العامل جاء فقط يطلب أجرته المحددة ، ولو دفع له صاحب العمل هذا المقدار لقنع واكتفى ، لكن مراقبة الله وخوفه جعلته يخلي بينه وبين هذا المال العظيم ، فما أصعب هذا الأمر وأشده على ضعاف الإيمان . (78) فيه أن الإبل والبقر والغنم من جملة الأموال . (79) جواز العمل في التجارة المباحة ، واستثمار الأموال بالطرق الشرعية . (80) بركة التجارة الصادقة حيث تضاعفت هذه الأجُرة إلى أضعاف كثيرة . (81) لم يذكر في الخبر نوع هذه التجارة مما يدل على أن الأصل في المعاملات الحل والإباحة . (82) ما ينمو ويزيد من أموال الأمانات له حكم الأصل . (83) دل الخبر على أن مسألة الرق موجودة في الأمم السابقة . (84) التعامل بالدينار والدرهم ؛ يسفر عن أخلاق الرجال ، فقد تحمد رجلاً في ظاهره ، ثم لما تتعامل معه في الأموال تنفض يديك منه . (85) فيه التصديق بكرامات الأولياء وهذا من معتقد أهل السنة والجماعة . (86) لم يذكر في الخبر أسماء هؤلاء النفر لأنه ليس هناك كبير فائدة في معرفة ذلك فالعبرة فيما وقع منهم من أحوال وأفعال ، فعلى الداعي إلى الله أن يعظ الناس بما يفيدهم وينفعهم ، ويعرض عما لا طائل تحته . (87) في هذه الشدة ذكر كل واحد منهم عملاً صالحاً واكتفى به ، مما يدل أن المؤمن قد تكون له خبيئة من الأعمال الصالحة هي من أرجى أعماله عند الله تعالى ، وإن كان له غيرها . (88) المقصود من سرد هذه القصة هو أخذ العظة والعبرة . (89) في هذا الخبر دليل على صدق نبوته صلى الله عليه وسلم حيث أخبر عن أمر مضى بوحي من الله تعالى . (90) كم في ثنايا المحن من المنح ، فهذه الكربة التي مرت بهؤلاء النفر صارت عظة للأمم من بعدهم ، يقتدي بهم أهل الإيمان في صالح أعمالهم . (91) في هذا الحديث لفتة إلى أن حق الوالدين مقدم على غيره ، ثم يأتي حق القرابات، ثم يأتي حق سائر الناس ، وهكذا جاء الحديث عندما ذكر كل رجل منهم قصته ، والله أعلم . هذا ما ظهر لي من الفوائد والعبر حول هذا الحديث العظيم ، فما كان منها من حق و صواب فمن الله الوهاب ، وما كان فيها من خطأ ووهم ونسيان فمن نفسي والشيطان ، واستغفر الله منه وأتوب إليه ، والحمد لله أولاً وأخيراً ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . رد: قصة واقعة في استجابة الدعاء بصالح العمل
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
التوسل قسمان: قسم شرعي مأمور به، وقسم منكر منهي عنه،
/ فإما التوسل الشرعي فهو أنواع أربعة: النوع الأول: التوسل بتوحيد الله، والشهادة له بالوحدانية، ولنبيه بالرسالة، كما في حديث بريدة عند أهل السنن بإسنادٍ صحيح أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو ويقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، فقال عليه الصلاة والسلام: (لقد سأل الله باسمه الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب)،
/ فهذا أفضل التوسل، تسأله بتوحيدك إياه تقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الأحد الصمد، اللهم إني أسألك بإيماني بك، وتوحيدي لك، وشهادتي بأنك الواحد الأحد، بأنك المستحق للعبادة، اللهم أني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت، وأن محمداً عبدُك ورسولك، اللهم إني أسألك بإيماني بك وإيماني بجميع المرسلين أن تغفر لي وأن ترحمني أو ترزقني كذا، أو تمنحني العلم النافع والعمل الصالح، أو ترزقني زوجةً صالحة أو ذريةً طيبة أو ما أشبه ذلك. النوع الثاني: التوسل بالعمل الصالح، كأن تسأل الله بصلاتك وصيامك وبر والديك وصلة أرحامك كفعل أهل الغار الذين آواهم المبيت والمطر إلى غارٍ فلما دخلوه قدَّر الله عليهم صخرة انحدرت عليهم فسدت عليهم باب الغار، فلم يستطيعوا الخروج! فقالوا فيما بينهم: لن ينجيكم من هذا إلا أن تدعو الله بصالح أعمالكم، فقال أحدهم: "اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران، وكنت لا أغبق قبلهما أهلاً ولا مالاً" والغبوق: إسقاء اللبن في الليل "فنأى بي طلب الشجر ذات ليلة فلم أرح عليهما إلا وقد ناما، فأخذت غبوقهما ووقفت عليهما أنتظر استيقاظهما، والصبية يتضاغون تحت قدمي، فلم يستيقظا حتى برق الفجر، اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة قليلاً لكنهم لا يستطيعون الخروج، ثم قال الآخر: اللهم إنه كانت لي ابنة عم أحبها كأشد ما يحب الرجال النساء، وإني طلبتها في نفسها فأبت، فألَمَّت بها سنة" يعني حاجة "فجاءت إليه تطلبه العون فقال: لا حتى تمكنيني من نفسك، فوافقت على ذلك، على مئة دينار وعشرين دينار فسلًّم لها مئة دينار وعشرين ديناراً فلما جلس بين رجليها قالت: يا عبد الله اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه! فخاف من الله وقام فقال: اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة لكنهم لا يستطيعون الخروج، فقام الآخر وقال: اللهم إني استأجرت أُجَراء فأعطيت كل أجيرٍ حقه إلا واحداً ترك أجره، فنميته له واشتريت منه إبلاً وبقراً وغنماً ورقيقاً، فلما جاء قلت: هذا من أجرك!! فقال: اتق الله ولا تستهزئ بي! فقال: إني لا أستهزئ بك، كله من أجرك، فاستاقه كله، اللهم إن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة وخرجوا". فهذا يدل على أن التوسل بالأعمال الصالحات من أسباب الفرج. والنوع الثالث: التوسل إلى الله سبحانه بحبه له وحبه لأنبيائه، وحبه لعباده الصالحين، وهو نوع من العمل الصالح، فإن الحب عمل صالح، فالتوسل إلى الله بقولك: اللهم إني أسألك بحبي لك، وحبي لأنبيائك أن تفعل لي كذا وكذا، فهذا أيضاً توسل شرعي من جنس التوسل بالتوحيد والعمل الصالح.
/ النوع الرابع: التوسل بالدعاء: دعاء الحي، كأن تقول: يا عبد الله ادع الله لي، أن الله يشفيني، أن الله يصلح حالي، كما كان الصحابة رضي الله عنهم يقولون: يا رسول الله ادع الله لنا، ادع الله أن يغيثنا، ادع الله أن يصلحنا، فهذا أيضاً توسل شرعي، تقول لأخيك: ادع الله لي أن يشفيني، أدع الله لي أن يغفر لي، أن يهبني ذرية صالحة، ومن هذا استغاثة المسلمين بالرسول في حال حياته، لما أجدبوا وخطب الناس يوم الجمعة واستسقى، ومرةً خرج إلى الصحراء فصلى ركعتين واستسقى عليه الصلاة والسلام، فهذا توسل شرعي، بدعاء أخيك الحي الحاضر يطلب الله لك. أما القسم الثاني: وهو التوسل المنكر البدعي فهذا التوسل بجاه الناس، وأسمائهم تقول: اللهم إني أسألك بجاه محمد عليه الصلاة والسلام، أو بجاه أهل البيت، أو بجاه فلان، هذا بدعة، أو اللهم إني أسألك بحق فلان أو حق فلان هذا بدعة، وأعظم من ذلك أن تسأله بدعاء الأموات والاستغاثة بالأموات هذا من الشرك الأكبر، كما فعله المشركون فإنهم يسمونه توسلاً، وتشفعاً فيقولون: يا فلان أغثنا، يا فلان انصرنا، اشف مرضانا، المدد المدد!! هذا من الشرك الأكبر، وإن سموه توسلاً فهذا من الشرك الأكبر، والتوسل بالجاه والحق من البدع، ومن وسائل الشرك وليس من الشرك لكنه من وسائل الشرك، وبهذا تعلم الفرق بين التوسل الشرعي والتوسل البدعي المنكر. فالتوسل الشرعي أقسام وأنواع أعظمه التوسل بتوحيد الله الذي هو دين الله، التوسل بتوحيد الله وإخلاصه والإيمان به وبرسله، ثم التوسل بالأعمال الصالحات، ثم التوسل بحبك لأنبيائه ورسله وعباده الصالحين، كحب آل البيت المؤمنين، حب الرسل، حب الصحابة، كل هذا من الوسائل الشرعية،
/ الرابع: التوسل بدعاء أخيك لك، تقول له: ادع الله لي يا أخي، ومنه دعاء النبي صلى الله عليه وسلم للناس واستسقاؤه للناس واستغاثته للناس لم أجدبوا -عليه الصلاة والسلام-. أما القسم الثاني المنكر فهو التوسل بالشرك، ودعاء الأموات والاستغاثة بالأصنام، هذا شرك أكبر، وهذا معنى قوله جل وعلا في حق المشركين: وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ (18) سورة يونس، ومعنى قوله سبحانه: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى (3) سورة الزمر، فهذا توسل بالشرك وعبادة غير الله -نعوذ بالله-، وهذا شرك أكبر، ومنه التوسل البدعي، وهو التوسل بجاه الأنبياء وجاه الصالحين وحق الأنبياء، وحق الصالحين، أو ذوات الأنبياء أو ذوات الصالحين، اللهم إني أسألك بنبينا أو بعمر أو بأبي بكر، هذا من البدع، وفق الله الجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
ومن موقغ - تقول أحدى الأخوات :
بسم الله الرحمن الرحيم
دائما ما كنت اسمع عن حديث الثلاث نفر الذين أغلقت عليهم الصخرة وبدءوا بالدعاء الى ان الله فرج لهم ..
وكنت اعلم وأيقن تماما ان مايقوله صلوات الله وسلامه عليه هو كل خير بل هو الأكمل وانه ماينطق عن الهوى انما هو وحي يوحى اليه ...
فكنت أحرص على التنوع بالدعاء ...
ومن ذلك الدعاء بصالح العمل ...
والله الذي لا اله الا هو ان الله يستجيب لي في الحال
ومن ذلك ..
أني اجد اتضايق في الذهاب الى الاعراس والمناسبات كما تعلمون لما فيها من الموسيقى ولكن لا اذهب الا للأقارب القريبين جدا ...
ومرة من المرات وانا في الطريق ادعوا الله بقول يارب انك تعلم ماحملني لذهاب الا لصلة الرحم ولمرضاتك فجنبني الفتن ماظهر منها ومابطن ..
فبمجرد مادخلت بيت عمتي الذي فيه الحفلة سمعت صوت وأذا الديجية قد خرب ولا يمكن اصلاحة .. وموكذا بس لا وأغلب الجالسين يقولون أحسن وجع روسنا
ويبارك الله لنا بما بقي من الحفلة ...
...ولا ... والحكايه تكرر معي بأختلاف بسيط ببعض الاحداث... أجيب الدعوة وألتقي هناك مع الاهل والاصدقاء اسلم عليهم واتسامر معهم ثم أذهب الى البيت ..
والحمدلله رب العالمين ..
آسفة أطلت عليكم
أرجوا أن ينفع الله بماكتبت ...
يارب جنبنا الفتن ماظهر منها وما بطن
ياحي ياقيوم ... ياذا الجلال والاكرام .. انتهى
...............................
وهذا آخر يقول عن شيخ :
وقد سمعت قصة من أحد الدعاة العاملين ذلك أنه اعتقل هو ومجموعة من الدعاة فى وقت كانت الحرب على الإسلام فى أشدها و أودعوا أحد السجون
وبعد عدة أيام قال الأستاذ لرفاقه هل تذكرون قصة الثلاثة الذين أغلق عليهم الغار
قالوا نعم ،
قال : فلم لا نفعل مثلهم ويتوسل كل منا بعمل صالح أخلص فيه لله أن يخرجنا من هذا السجن
فقالوا جميعا : نعم الرأى هذا
إلا رجل واحد قال : يا سيدى الفاضل هذا الأمر كان زمان أما الآن فلا مكان لمثل هذه الظنون
ولكن هذه الكلمات لم تؤثر فى هؤلاء السجناء الذين بدأ كل واحد منهم يتذكر عملا صالحا يتوسل به
يقول الأستاذ : أما أنا فلما عثرت على العمل المناسب ناشدت الله متوسلا بهذا العمل أن يخرجنى من سجنى قبل صلاة العصر فى هذا اليوم ، وكان الوقت بعد الظهر بقليل ..
وبعد أن انتهيت من الدعاء وجدت باب الزنزانة يفتح ثم يهتف هاتف باسمى فخرجت و حقق الله دعائى فخرجت قبل صلاة العصر
وخرج جميع المسجونين بعدى إلا هذا الشخص الذى رفض التوسل بالدعاء لقلة يقينه فقد ظل فى السجن ستة أشهر
.............................
=======
بسم الله الرحمن الرحيم
إنْ الْحَمْدُ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)} [آل عمران: 102]
{يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} [النساء: 1].
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (71)}[الأحزاب: 70 - 71].
أما بعد:
إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرُّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلُّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ وَكُلُّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلُّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .
قرن الله تعالى عبادته وشكره بالوصية بالوالدين والبر بهما ، من هنا يتبين لنا جليًا عظم هذا الأمر عند الله عز وجل، فلذا أساهم بهذا الجهد المتواضع لنراجع أنفسنا نحو حقوق أمهاتنا وآبائنا علينا في حياتهما ومن بعد موتهما، وبيان فضله في الدنيا والآخرة ، وعاقبة العقوق ، بمبحث بعنوان :" قُرة العين في بر الوالدين"سائلاً الله عز وجل القبول والتوفيق.
باب : أمر الله ووصيته ببر الوالدين :
قَالَ تَعَالَى: { وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا(24)}[الإسراء:23- 24]
وقَالَ تَعَالَى { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14)}[لقمان:14]
باب : ما جاء في تقديم حق الأم في البر وثوابه :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي؟ قَالَ: «أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أُمُّكَ» قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبُوكَ».(1)
وعَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِأُمَّهَاتِكُمْ- ثَلَاثًا - إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِآبَائِكُمْ، إِنَّ اللَّهَ يُوصِيكُمْ بِالْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ" . (2)
وعن بَهْز بْن حَكِيمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ أَبَرُّ؟ قَالَ: «أُمَّكَ» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمَّكَ» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «أُمَّكَ» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: «ثُمَّ أَبَاكَ، ثُمَّ الأَقْرَبَ فَالأَقْرَبَ».(3)
وعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، قَالَ: "وَيْحَكَ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: "ارْجِعْ فَبَرَّهَا" ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنَ الْجَانِبِ الْآخَرِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ، أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، قَالَ: "وَيْحَكَ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبَرَّهَا" ثُمَّ أَتَيْتُهُ مِنْ أَمَامِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنْتُ أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ، أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، قَالَ: "وَيْحَكَ، أَحَيَّةٌ أُمُّكَ؟ " قُلْتُ: نَعَمْ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: "وَيْحَكَ، الْزَمْ رِجْلَهَا، فَثَمَّ الْجَنَّةُ". (4)
" وَيْحَكَ، الْزَمْ رِجْلَهَا " وهو كناية عن لزوم خدمتها، والتواضع، وحسن الطاعة لها. واللَّه تعالى أعلم.
" فَإِنَّ الْجَنَّةَ تَحْتَ رِجْلَيْهَا " أي نصيبك من الجنة لا يصل إليك إلا برضاها.(5)
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نِمْتُ، فَرَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَسَمِعْتُ صَوْتَ قَارِئٍ يَقْرَأُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كَذَاكَ الْبِرُّ، كَذَاكَ الْبِرُّ" وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِأُمِّه. (6)
وَعَنْ طَيْسَلَةَ بْنِ مَيَّاسٍ ، قال: كُنْتُ مَعَ النَّجَدَاتِ (7 ) فَأَصَبْتُ ذُنُوبًا لاَ أَرَاهَا إِلاَّ مِنَ الْكَبَائِرِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِابْنِ عُمَرَ , قَالَ: مَا هِيَ؟ , قُلْتُ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: لَيْسَتْ هَذِهِ مِنَ الْكَبَائِرِ، هُنَّ تِسْعٌ: الإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَقَتْلُ نَسَمَةٍ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَأَكْلُ الرِّبَا، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَإِلْحَادٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَالَّذِي يَسْتَسْخِرُ(8 ) ، وَبُكَاءُ الْوَالِدَيْنِ مِنَ الْعُقُوقِ , ثُمَّ قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: أَتَفْرَقُ النَّارَ (9 )، وَتُحِبُّ أَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّةَ؟ , قُلْتُ: إِي وَاللهِ، قَالَ: أَحَيٌّ وَالِدُكَ؟ , قُلْتُ: عِنْدِي أُمِّي، قَالَ: فَوَاللهِ لَوْ أَلَنْتَ لَهَا الْكَلاَمَ، وَأَطْعَمْتَهَا الطَّعَامَ، لَتَدْخُلَنَّ الْجَنَّةَ , مَا اجْتَنَبْتَ الْكَبَائِرَ. (10)
استجابة دعاء البار بأمه :
عَنْ أُسَيْرِ بْنِ جَابِرٍ، قَالَ: كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِذَا أَتَى عَلَيْهِ أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ، سَأَلَهُمْ: أَفِيكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيْسٍ فَقَالَ: أَنْتَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: مِنْ مُرَادٍ ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأْتَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: لَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ، مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ" فَاسْتَغْفِرْ لِي، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الْكُوفَةَ، قَالَ: أَلَا أَكْتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا؟ قَالَ: أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِهِمْ، فَوَافَقَ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ عَنْ أُوَيْسٍ، قَالَ: تَرَكْتُهُ رَثَّ الْبَيْتِ، قَلِيلَ الْمَتَاعِ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: "يَأْتِي عَلَيْكُمْ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ مَعَ أَمْدَادِ أَهْلِ الْيَمَنِ مِنْ مُرَادٍ، ثُمَّ مِنْ قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنْهُ، إِلَّا مَوْضِعَ دِرْهَمٍ لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ" فَأَتَى أُوَيْسًا فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ، فَاسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: أَنْتَ أَحْدَثُ عَهْدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ، فَاسْتَغْفِرْ لِي، قَالَ: لَقِيتَ عُمَرَ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ، فَانْطَلَقَ عَلَى وَجْهِهِ، قَالَ أُسَيْرٌ: وَكَسَوْتُهُ بُرْدَةً، فَكَانَ كُلَّمَا رَآهُ إِنْسَانٌ قَالَ: مِنْ أَيْنَ لِأُوَيْسٍ هَذِهِ الْبُرْدَة.(11)
ما جاء في تَقْدِيمِ بِر الأم عَلَى التَّطَوُّعِ بِالصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ جُرَيْجٌ يَتَعَبَّدُ فِي صَوْمَعَةٍ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ. قَالَ حُمَيْدٌ: فَوَصَفَ لَنَا أَبُو رَافِعٍ صِفَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ لِصِفَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّهُ حِينَ دَعَتْهُ، كَيْفَ جَعَلَتْ كَفَّهَا فَوْقَ حَاجِبِهَا، ثُمَّ رَفَعَتْ رَأْسَهَا إِلَيْهِ تَدْعُوهُ، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ أَنَا أُمُّكَ كَلِّمْنِي فَصَادَفَتْهُ يُصَلِّي، فَقَالَ: اللهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَاخْتَارَ صَلَاتَهُ، فَرَجَعَتْ، ثُمَّ عَادَتْ فِي الثَّانِيَةِ، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ أَنَا أُمُّكَ فَكَلِّمْنِي، قَالَ: اللهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَاخْتَارَ صَلَاتَهُ، فَقَالَتْ: اللهُمَّ إِنَّ هَذَا جُرَيْجٌ وَهُوَ ابْنِي وَإِنِّي كَلَّمْتُهُ، فَأَبَى أَنْ يُكَلِّمَنِي، اللهُمَّ فَلَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ الْمُومِسَاتِ. قَالَ: وَلَوْ دَعَتْ عَلَيْهِ أَنْ يُفْتَنَ لَفُتِنَ. قَالَ: وَكَانَ رَاعِي ضَأْنٍ يَأْوِي إِلَى دَيْرِهِ، قَالَ: فَخَرَجَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْقَرْيَةِ فَوَقَعَ عَلَيْهَا الرَّاعِي، فَحَمَلَتْ فَوَلَدَتْ غُلَامًا، فَقِيلَ لَهَا: مَا هَذَا؟ قَالَتْ: مِنْ صَاحِبِ هَذَا الدَّيْرِ، قَالَ فَجَاءُوا بِفُئُوسِهِمْ وَمَسَاحِيهِمْ، فَنَادَوْهُ فَصَادَفُوهُ يُصَلِّي، فَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ، قَالَ: فَأَخَذُوا يَهْدِمُونَ دَيْرَهُ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ نَزَلَ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا لَهُ: سَلْ هَذِهِ، قَالَ فَتَبَسَّمَ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَ الصَّبِيِّ فَقَالَ: مَنْ أَبُوكَ؟ قَالَ: أَبِي رَاعِي الضَّأْنِ، فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ مِنْهُ قَالُوا: نَبْنِي مَا هَدَمْنَا مِنْ دَيْرِكَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، قَالَ: لَا، وَلَكِنْ أَعِيدُوهُ تُرَابًا كَمَا كَانَ، ثُمَّ عَلَاهُ. (12)
اهتمامه صلى الله عليه وسلم ببره بأمه بزيارتها في قبرها:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لِأُمِّي فَلَمْ يَأْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأَذِنَ لِي" . (13)
وفي رواية: " زَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَنْ حَوْلَهُ، فَقَالَ: "اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي فِي أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ فِي أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا الْقُبُورَ فَإِنَّهَا تُذَكِّرُ الْمَوْتَ" . (14)
وعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " كَانَ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَرَأَى رَجُلًا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَامِلًا أُمَّهُ وَهُوَ يَقُولُ:
إِنِّي لَهَا بَعِيرُهَا الْمُذَلَّلْ إِنْ ذُعِرَتْ رِكَابُهَا لَمْ أُذْعَرْ أَحْمِلُهَا مَا حَمَلَتْنِي أَكْثَرْ أَوْ قَالَ: أَطْوَلْ.
أَتُرَانِي يَا ابْنَ عُمَرَ جَزَيْتُهَا؟ قَالَ: " لَا وَلَا زَفْرَةً وَاحِدَةً ". (15)
وعَنْ أَبِي حَازِمٍ، أَنَّ أَبَا مُرَّةَ، مَوْلَى أُمِّ هَانِئِ ابْنَةِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ رَكِبَ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ إِلَى أَرْضِهِ بِالْعَقِيقِ فَإِذَا دَخَلَ أَرْضَهُ صَاحَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ: عَلَيْكِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ يَا أُمَّتَاهُ، تَقُولُ: وَعَلَيْكَ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، يَقُولُ: رَحِمَكِ اللَّهُ رَبَّيْتِنِي صَغِيرًا، فَتَقُولُ: يَا بُنَيَّ، وَأَنْتَ فَجَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا وَرَضِيَ عَنْكَ كَمَا بَرَرْتَنِي كَبِيرًا. (16)
الوصية بالإحسان للأقرب إلى الأمهات :
عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، أَنَّهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً فِي زَمَانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَذَكَرَتْ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: "لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ، كَانَ أَعْظَمَ لِأَجْرِكِ". (174)
عظم حق الوالد :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ». (18)
تقدم بر الوالدين عن الهجرة والجهاد في سبيل الله –جهاد الطلب-:
عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي جِئْتُ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ، وَلَقَدْ تَرَكْتُ أَبَوَيَّ يَبْكِيَانِ قَالَ: "ارْجِعْ إِلَيْهِمَا فَأَضْحِكْهُمَا كَمَا أَبْكَيْتَهُمَا.(19)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَاسْتَأْذَنَهُ فِي الجِهَادِ، فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟»، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ».(20)
باب :فضل بر الوالدين :
بر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله وأفضلها :
عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ، وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّ الْأَعْمَالِ أَحَبُّ إِلَى اللهِ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ عَلَى وَقْتِهَا» قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ» قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي.(21)
وفي رواية بأنه من أفضل الأعمال،فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ العَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلاَةُ عَلَى مِيقَاتِهَا»، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «ثُمَّ بِرُّ الوَالِدَيْنِ»، قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» فَسَكَتُّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي.(122)
يُمد للبار لوالديه في عمره ويُزاد له في رزقه :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَأَنْ يُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ».(23)
بر الوالدين من أسباب تفريج الكروب :
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: " بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَتَمَشَّوْنَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ، فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ، فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ، فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ، فَادْعُوا اللهَ تَعَالَى بِهَا، لَعَلَّ اللهَ يَفْرُجُهَا عَنْكُمْ، فَقَالَ أَحَدُهُمْ: اللهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَامْرَأَتِي، وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ أَرْعَى عَلَيْهِمْ، فَإِذَا أَرَحْتُ عَلَيْهِمْ، حَلَبْتُ، فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ، فَسَقَيْتُهُمَا قَبْلَ بَنِيَّ، وَأَنَّهُ نَأَى بِي ذَاتَ يَوْمٍ الشَّجَرُ، فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ، فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا، فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ، فَجِئْتُ بِالْحِلَابِ، فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ قَبْلَهُمَا، وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً، نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ، فَفَرَجَ اللهُ مِنْهَا فُرْجَةً، فَرَأَوْا مِنْهَا السَّمَاءَ،..."الحديث (24)
الوالد أوسط أبواب الجنة ومن أسباب رضا الرب:
عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّ لِيَ امْرَأَةً وَإِنَّ أُمِّي تَأْمُرُنِي بِطَلَاقِهَا، قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «الوَالِدُ أَوْسَطُ أَبْوَابِ الجَنَّةِ، فَإِنْ شِئْتَ فَأَضِعْ ذَلِكَ البَابَ أَوْ احْفَظْهُ» قَالَ: وَقَالَ ابْنُ أَبِي عُمَرَ: رُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: إِنَّ أُمِّي وَرُبَّمَا قَالَ: أَبِي.(25)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «رِضَى الرَّبِّ فِي رِضَى الوَالِدِ، وَسَخَطُ الرَّبِّ فِي سَخَطِ الْوَالِدِ». (26)
استجابة دعاء الوالد لابنه البار :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنَّ، لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ ". (27)
وفي رواية : " ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ: دَعْوَةُ الْوَالِدِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ ". (28)
بر الوالدين أو الأقرب لهما من أسباب قبول التوبة :
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، رَجُلٌ، فقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَذْنَبْتُ ذَنْبًا كَبِيرًا، فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟، فقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَكَ وَالِدَانِ؟ »، قَالَ: لَا، قَالَ: «فَلَكَ خَالَةٌ»؟، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَبِرَّهَا إِذًا». (29)
وعن عطاء ، عن ابن عباس رضي الله عنهما: أَنَّهُ أَتَاهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : إِنِّي خَطَبْتُ امْرَأَةً فَأَبَتْ أَنْ تَنْكِحَنِي وَخَطَبَهَا غَيْرِي، فَأَحَبَّتْ أَنْ تَنْكِحَهُ ،فَغِرْتُ عَلَيْهَا فَقَتَلْتُهَا ،فَهَلْ لِي مِنْ تَوْبَةٍ؟ قَالَ: أُمُّكَ حَيَّةٌ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: تُبْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَتَقَرَّبْ إِلَيْهِ مَا اسْتَطَعْتَ، فَذَهَبْتُ فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: لِمَ سَأَلْتَهُ عَنْ حَيَاةِ أُمِّهِ؟ فَقَالَ: إِنِّي لَا أَعْلَمُ عَمَلًا أَقْرَبَ إِلَى الله عز وجل من بر الوالدة. (30)
البار بوالديه الساعي عليهما هو في سبيل الله :
عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَة، قَالَ: مَرَّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، فَرَأَى أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ جِلْدِهِ وَنَشَاطِهِ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ؟، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى وَلَدِهِ صِغَارًا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ يَسْعَى عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ يَسْعَى عَلَى نَفْسِهِ يُعِفُّهَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ رِيَاءً وَمُفَاخَرَةً فَهُوَ فِي سَبِيلِ الشَّيْطَانِ».(31)
باب : وجوب بر الوالدين ولو كانا مشركين :
قَالَ تَعَالَى: { وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (14) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (15) }[لقمان: 14- 15]
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَتْ: قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ فِي عَهْدِ قُرَيْشٍ، إِذْ عَاهَدُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُدَّتِهِمْ مَعَ أَبِيهَا، فَاسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي قَدِمَتْ عَلَيَّ وَهِيَ رَاغِبَةٌ أَفَأَصِلُهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ صِلِيهَا».(32)
سلسلة :" قُرة العين في برالوالدين" 2-3 المقالة الثانية: أوجه البر بالوالدين في حياتهما وعند موتهما ومن بعد موتهما
------------------------
1-البخاري(5971)،ومسلم 1 - (2548)،وأحمد(9081)،وابن ماجة(2706،3658)،وابن حبان(434).
2- رواه أحمد(17187)وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن ،والبخاري في " الأدب المفرد"(60)،وابن ماجة(3661)،،والبيهقي في" شعب الإيمان"(7461)، وانظر" صَحِيح الْجَامِع"( 1924) , و"الصَّحِيحَة"( 1666).
3-حسن : رواه أحمد(20028)وقال شعيب الأرنؤوط: صحيح لغيره ، وهذا إسناده حسن ،وأبو داود(5139) وقال الألباني:.حسن صحيح ،والترمذي(1897)وحسنه الألباني.
4- حسن : رواه أحمد في" المسند"(15538)،والنسائي(3104)،وابن ماجة(2781)واللفظ له .
5-" ذخيرة العقبى في شرح المجتبى" محمد بن الشيخ العلامة علي بن آدم بن موسى الإثيوبي اللوَلَّوِي(26/128)" المكتبة الشاملة.
6- صحيح :رواه أحمد(25337)،وابن حبان(7015)وصححه الألباني وشعيب الأرنؤوط.
7- النَّجْدات: أصحاب نجدة بن عامر الخارجي , وهم قومٌ من الحرورية (الخوارج).
8- الاستسخار: من السخرية.
9- " أَتَفْرَقُ النَّارَ" أي :تخاف وتفزع من النار .
10-صحيح : رواه البخاري في " الأدب المفرد"(8)وصححه الألباني،وانظر"الصحيحة"(2898).
11- مسلم225 - (2542)،وأحمد في " المسند"(266).
12- البخاري(2482)،ومسلم7 - (2550)واللفظ له،وأحمد(8994).
13- مسلم 105 - (976).
14- مسلم 108 - (976)،وأحمد(9688)،وأبو داود(3234)،وابن ماجة (1572)،والنسائي(2034)،وابن حبان(3169)
15-"أخبار مكة" للفاكهي(642)،و" البر والصلة" عن ابن المبارك وغيره (351)
تأليف: أبو عبد الله الحسين بن الحسن بن حرب السلمي المروزي.ط. دار الوطن – الرياض-الطبعة الأولى.
16- حسن : رواه البخاري في الأدب المفرد"(14)وحسن إسناده الألباني.
17- البخاري(2592)،ومسلم44 - (999) ، وأبو داود(1690)،وابن حبان(3343).
18-مسلم25 - (1510)،وأحمد(8893)،وأبو داود(5137)،والترمذي(1906)، وابن ماجة(3659)
،وابن حبان(424).
19-صحيح : رواه أحمد في" المسند"( 6490، 6869) ،وأبو داود(2528)،وابن ماجة(2782)،والنسائي
(4163)،وابن حبان(419،423)وصححه الألباني .
20- البخاري(3004)،ومسلم5 -(2549)،وأحمد(6765)،وأبوداود(2529) ،والترمذي(1671)،والنسائي(3103).
21-البخاري(527،5970)،ومسلم 139 - (85)،وأحمد(3890)،والنسائي (610)،وابن حبان(1477)
22-البخاري(2782)،ومسلم 137 - (85)،وأحمد(3973)،والترمذي(1898).
23-رواه أحمد في " المسند"(13401،13811)وقال شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح، وهذا إسناد حسن.
24- البخاري(5974)،ومسلم 100 - (2743)واللفظ له.
25-صحيح : رواه أحمد في " المسند"( 27511)وقال شعيب الأرنؤوط: إسناده حسن ،والترمذي(1900) ، وابن ماجة(3663)وابن حبان(425)وصححه الألباني وشعيب الأرنؤوط.
26-صحيح : رواه الترمذي(1899)وصححه الألباني،وابن حبان (429)وحسنه الألباني
27-حسن : رواه ابن ماجة (3862)وحسنه الألباني وشعيب الأرنؤوط.
28-حسن : رواه أحمد(10196)،وأبو داود(1536)واللفظ له ،وحسنه الألباني
29-صحيح : رواه أحمد(4624)قال شعيب الأرنؤوط: إسناده صحيح على شرط الشيخين. ،والترمذي(1904)،وابن حبان(435)وصححه الألباني.
30- رواه البخاري في " الأدب المفرد"(4)وصححه الألباني في " الصحيحة"(2799).
31- صحيح : رواه الطبراني في"الأوسط"(6835), والبيهقي في(17602), وانظر "صَحِيح الْجَامِع( 1428) , و"الصَّحِيحَة"( 3248).
32- البخاري(3183)،ومسلم(5 - (1003)،وأحمد(26913)،وأبو داود(1668)،وابن حبان(452).
=====================
|
الرئيسية> السيرة والتراجم والتاريخ | ||||
بيانات الكتاب .. |
||||
العنوان | قصص الأنبياء | |||
المؤلف | فؤاد بن عبد العزيز الشلهوب | |||
نبذة عن الكتاب |
|
|||
تاريخ الإضافة | 2-4-1427 | |||
عدد القراء | 78206 | |||
رابط القراءة |
|
|||
رابط التحميل |
الرئيسية> القصص والروايات | ||||
بيانات الكتاب .. |
||||
العنوان | موسـوعة القصص القرآني | |||
المؤلف | منير عرفه | |||
نبذة عن الكتاب |
|
|||
تاريخ الإضافة | 30-5-1428 | |||
عدد القراء | 49094 | |||
رابط القراءة |
|
|||
رابط التحميل |
|
الرئيسية> الحديث الشريف | ||||
بيانات الكتاب .. |
||||
العنوان | دروس وعبر من صحيح القصص النبوي | |||
المؤلف | شحاتة محمد صقر | |||
نبذة عن الكتاب |
|
|||
تاريخ الإضافة | 6-8-1428 | |||
عدد القراء | 45038 | |||
رابط القراءة |
|
|||
رابط التحميل |
|
الرئيسية> القصص والروايات | ||||
بيانات الكتاب .. |
||||
العنوان | (30) ثلاثون قصة بلسان محمد صلى الله عليه وسلم لعصام الشايع | |||
المؤلف | دار الطرفين | |||
نبذة عن الكتاب |
نسخة من الكتاب للطباعة بحجم كبير على ملف |
|||
تاريخ الإضافة | 6-12-1430 | |||
عدد القراء | 114972 | |||
رابط القراءة |
|
|||
رابط التحميل |
|
الرئيسية> القصص والروايات | ||||
بيانات الكتاب .. |
||||
العنوان | (30) ثلاثون قصة بلسان محمد صلى الله عليه وسلم لعصام الشايع | |||
المؤلف | دار الطرفين | |||
نبذة عن الكتاب |
نسخة من الكتاب للطباعة بحجم كبير على ملف |
|||
تاريخ الإضافة | 6-12-1430 | |||
عدد القراء | 114973 | |||
رابط القراءة |
|
|||
رابط التحميل |
|
|
|
بيانات الكتاب .. | ||||
العنوان | من بدائع القصص النبوي الصحيح | |||
المؤلف | محمد بن جميل زينو | |||
نبذة عن الكتاب |
|
|||
تاريخ الإضافة | 12-08-1424 | |||
عدد القراء | 70121 | |||
رابط القراءة |
|
|||
رابط التحميل |
|
============
================
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق